
أثار تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للحكومة السودانية في مايو 2025 موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط السياسية والشعبية، بين من يرى فيه بارقة أمل لسودان جديد يخرج من رماد الأزمات المتلاحقة، ومن يشكك في قدرة أي شخصية سياسية – حتى لو كانت محايدة أو خبيرة – على تحقيق التغيير المنشود في ظل حالة التشظي والانقسام التي يعيشها السودان.
فالبلاد تمر بمرحلة انتقالية دقيقة، تتطلب قيادة حكيمة وتحركات محسوبة لإعادة بناء ما دمرته الصراعات والانقسامات، لكن الجدل حول شخصية إدريس تجاوز النقاش العادي، ليعكس تساؤلات أعمق حول جدوى التغيير وقدرته على الصمود أمام الانتقادات المستمرة والعقبات المتراكمة.
الانتقاد المستمر: عقبة في طريق التعافي الوطني
الانتقادات التي تلاحق كل قرار حكومي جديد في السودان، خصوصًا تعيين إدريس، أصبحت في حد ذاتها عاملًا معوقًا لمسيرة الإصلاح. فالنقد دون تقديم بدائل عملية أو حلول واقعية لا يُعدّ سوى نوع من السلبية التي تهدم المعنويات وتعمّق الانقسام.
المطلوب في هذه المرحلة الحساسة، ليس العودة لمحاكمة الماضي، بل التفرغ لبناء الحاضر وتشكيل المستقبل بروح جماعية تتجاوز الحسابات الحزبية والشخصية، دون أن يعني ذلك تهميش النقد البنّاء، بل توجيهه نحو الأداء والسياسات لا نحو الأشخاص.
الماضي لا يصنع المستقبل: السودان أمام اختبار واقعي
رغم التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، فإن إعادة فتح ملفات الماضي ومحاكمة اختيارات سابقة لن تسهم في التقدم خطوة واحدة نحو الأمام. فالسودان بحاجة إلى خطة شاملة للنهوض، تنطلق من الواقع وتستفيد من تجارب من سبق، لا أن تُحاكمهم.
الحكومة الجديدة بحاجة إلى وقت ومساحة للعمل، بعيدًا عن أجواء التشكيك والعرقلة، مع ضرورة دعم كافة المبادرات التي تصب في اتجاه بناء مؤسسات قوية وتحقيق الاستقرار السياسي، خاصة وأن البلاد لا تزال تعاني من اقتصاد متهاوٍ ونسيج اجتماعي ممزق.
السودانيون في الخارج: رصيد استراتيجي غير مستثمر كليًا
لطالما كانت الجالية السودانية في المهجر عنصرًا محوريًا في دعم البلاد، سواء من خلال التحويلات المالية أو الكفاءات العلمية والمهنية. واليوم، يبرز هذا الدور بشكل أكبر، حيث يراهن كثيرون على أن تسهم قيادة إدريس – بخلفيته الدولية – في إعادة تفعيل قنوات الاتصال مع السودانيين في الشتات، ودمجهم في عملية التنمية والإصلاح.
فاستثمار العقول السودانية في الخارج لا ينبغي أن يقتصر على الدعم المادي، بل يجب أن يشمل مشاركة معرفية وتخطيطية فعلية في صناعة القرار، عبر آليات واضحة للشراكة والتكامل بين الداخل والخارج.
كامل إدريس: بين التحدي والفرصة
الدكتور كامل إدريس ليس وجهًا جديدًا في المشهد الدولي؛ فهو قانوني وأكاديمي ذو خبرة طويلة في المنظمات العالمية. ويرى أنصاره أن هذه الخلفية قد تشكل نقطة قوة في قيادة السودان نحو استقرار مستدام، إذا ما توفرت له بيئة عمل داعمة وتعاون مجتمعي واسع.
لكن وحده الأداء العملي هو من سيحسم الموقف، فالرجل أمام تحدٍ كبير، وعليه أن يثبت أن القيادة في السودان لا تعني فقط الوجاهة السياسية، بل القدرة على تنفيذ إصلاحات ملموسة على الأرض.
العمل الجماعي: الطريق الوحيد للخروج من النفق
في النهاية، لا يمكن لأي حكومة أن تنجح بمعزل عن دعم شعبي ومؤسسي، خصوصًا في بلد كالسودان مرّ بتجارب ديمقراطية متعثرة وثورات لم تكتمل أهدافها. إن تجاوز المرحلة الحالية لا يتحقق بالنقد وحده، بل يتطلب تكاتف جميع الأطراف: الحكومة، والمجتمع المدني، والشباب، والمرأة، والسودانيين في الخارج.
وحده العمل الجماعي، المبني على الرؤية الواضحة والإرادة السياسية، يمكن أن يحقق تطلعات الشعب السوداني ويعيد البلاد إلى طريق التنمية والاستقرار.