يُعَدّ كتاب “اللغة المنسية: فهم الأحلام والحكايات العجيبة والأساطير” للفيلسوف وعالم النفس الاجتماعي إيريش فروم (1900-1980) من العلامات البارزة في الفكر النفسي والفلسفي في القرن العشرين، إذ حاول من خلاله أن يُعيد للإنسان صلته العميقة بالرموز التي شكّلت وعيه منذ بدايات التاريخ، وأن يُذكّره بلغة داخلية مهجورة ظلّت حاضرة في الأحلام والأساطير، لكنها أُهملت في عصر العقلانية المفرطة.
مضمون الكتاب وفكرته الرئيسة
يؤكد فروم أن الأحلام، والأساطير، والحكايات الشعبية العجيبة ليست مجرد خيالات أو أساطير للترفيه، بل هي لغة رمزية عابرة للزمان والمكان، يفهمها البشر بالفطرة، لكنها تراجعت أمام هيمنة التفكير المادي. هذه “اللغة المنسية” هي أداة الإنسان لفهم نفسه والعالم.
الأحلام: رسائل داخلية تكشف ما نخشى البوح به في اليقظة.
الأساطير: هي “أحلام الشعوب”، تكثيف للذاكرة الجمعية والمخاوف الوجودية الكبرى.
الحكايات العجيبة: قصص ذات مغزى نفسي وتربوي، تقدم الرموز العميقة في قوالب بسيطة تصل حتى للأطفال.
يرى فروم أن من يتقن قراءة هذه الرموز يملك مفتاحاً لفهم ذاته ومصيره، وأن تجاهلها يجعل الإنسان معاصراً غريباً عن نفسه.
أهم الفصول والأفكار
اللغة الرمزية: لا يقتصر دورها على الزينة أو الإيحاء، بل هي التعبير الأصدق عن مشاعر الإنسان.
الأحلام كمرآة: رفض حصرها في التفسير الجنسي عند فرويد، مؤكداً أنها رسائل متعددة المستويات.
الأساطير كذاكرة جمعية: من جلجامش إلى الإلياذة، تكشف الأساطير عن بحث الإنسان عن الخلود والعدل والطمأنينة.
الحكايات العجيبة: قصص مثل “سندريلا” أو “الأمير الضفدع” تحمل رموزاً عن التحول الداخلي والخلاص من العُقد.
النقد العلمي: ينتقد فرويد لإغفاله البعد الروحي والإنساني الشامل في تفسير الرموز.
استعادة اللغة: يدعو إلى إحياء هذه القدرة لفهم المعنى الأعمق للحياة.
ارتباط بالتراث العربي
يُبرز الكتاب قيمة الحكايات الشعبية، وهو ما يجعل القارئ العربي يستحضر فوراً “ألف ليلة وليلة”، والسير الشعبية مثل سيرة عنترة، والزير سالم، وأبو زيد الهلالي. هذه القصص تحمل بدورها رموزاً عن البطولة، والعدل، والخيانة، والبحث عن الحب والحرية، وهي ليست مجرد تسلية، بل “لغة رمزية” ترسّخت في الوعي الجمعي العربي مثلما فعلت الأساطير الإغريقية لدى الغرب.
كما أن قصص التراث العربي –مثل قصة السندباد البحري ورحلاته العجيبة– تتلاقى مع فكرة فروم عن الحكاية العجيبة التي تُقدَّم كرحلة رمزية عن المغامرة والخوف والتغلب على المجهول.
اقتباسات مهمة من الكتاب
“اللغة الرمزية هي اللغة الوحيدة التي تُفهم في كل مكان، لغة القلب والخيال، لغة لم تفسدها الانقسامات القومية.”
“الأحلام هي الروايات القصيرة التي تكتبها النفس كل ليلة لتخبرنا بما لا نجرؤ على قوله في اليقظة.”
“الأسطورة ليست خرافة باطلة، بل هي الحقيقة الكبرى التي رآها الإنسان بعين قلبه.”
“إن من يفقد القدرة على الحلم، يفقد القدرة على أن يفهم نفسه والعالم.”
“اللغة المنسية هي إرث الإنسان الأول، من ينجح في تذكرها، ينجح في استعادة وعيه الإنساني الكامل.”
أهمية الكتاب
يعيد الاعتبار إلى الرموز كأداة لفهم الإنسان والكون.
يجمع بين علم النفس التحليلي والأنثروبولوجيا الثقافية.
يضع القارئ أمام مرآة ذاته، فيدعوه إلى الإصغاء إلى أحلامه وحكايات طفولته وأسطورة قومه لفهم معنى وجوده.
يفتح نافذة على مقاربة مقارنة بين تراث الإنسانية المشترك، ويجعلنا نرى في أساطيرنا العربية كنوزاً رمزية لا تقل ثراء عن الأساطير الإغريقية.
سيرة المؤلف باختصار
إيريش فروم: فيلسوف وعالم نفس اجتماعي ألماني-أمريكي (1900-1980). من أبرز كتبه:
الهروب من الحرية (1941)
فن الحب
التحليل النفسي والدين
الإنسان بين الجوهر والمظهر
اشتهر بنقده للمدرسة الفرويدية التقليدية، وبسعيه إلى صياغة رؤية إنسانية شاملة تعيد للإنسان حريته ومعناه.