
محمد نعمان الدين الندوي
أما الهدية فهي تتمثل في كتاب: «الملفوظات» للعالم الرباني والداعية المجدد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي -رحمه الله- مؤسس جماعة الدعوة والتبليغ.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن فرحة العيد -في حد ذاتها- تكون فرحة عظيمة كما لا يخفى على أحد، ولكن فرحتي العيدية -١٤٤٦ھ- لم تكن فرحة كالعادة، بل كانت فرحة خاصة مضاعفة، وذلك لأنني فوجئت -ليلة العيد- بهدية مباركة قيمة من أخ عربي كريم من بلد كريم مُدح أهلُه بلسان النبوة الصادق الطاهر الكريم.
أما الأخ المهدي الكريم فهو صديقنا الفاضل الدكتور عادل حسن أمين اليماني الندوي، أما الهدية فهي تتمثل في كتاب: «الملفوظات» للعالم الرباني والداعية المجدد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي -رحمه الله- مؤسس جماعة الدعوة والتبليغ.
فلنعم المُهدي اليماني، ولنعمت الهدية هديته..
وكتاب -الملفوظات- من خير ما يُهدى إلى المعنيين بالدعوة من العلماء وطلاب العلم والدعاة، فهذه «الملفوظات» ليست ملفوظات عادية خرجت من لسان رجل عادي من عامة الناس.
بل هي ملفوظات وكلمات عالم رباني وداعية غيور على دينه وأمته، كان يتململ تململ السليم لوضع الأمة الإسلامية الديني المتدهور، بل كان يتقلب على أحر من الجمر كما شهد بذلك العلامة الندوي، ويحزن ويبكي بشدة لبعد المسلمين عن حقيقة الإسلام والإيمان، وجهلهم الكبير بمقتضياتهما..
ولقد شمر صاحب الملفوظات الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي -رحمه الله- عن ساق الجد للقيام بفريضة الدعوة إلى الله، بهذا المنهج الدعوي المبارك، وقد أثمر هذا المنهج في شبه القارة الهندية ثمارًا يانعة، ونفع نفعًا عظيما لا يحتاج إلى توضيح وبيان، بل هو أوضح من الشمس في رابعة النهار.
ولما قام الكاندهلوي -رحمه الله- بجهوده الدعوية، التي عم نفعها وظهرت ثمارها في بلاد الهند تأثر بها كوكبة من كبار علماء شبه القارة الهندية من أمثال الشيخ أبي الحسن الندوي والشيخ منظور النعماني ومفتي الهند كفاية الله الدهلوي والمجاهد شيخ الإسلام حسين أحمد المدني رحمهم الله تعالى وغيرهم كثير، ولكن العلامة الندوي والنعماني رحمهما الله كانا في طليعة العلماء الذين لازموا الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي وتأثروا بشخصيته، وتشربوا روحه الدعوية، وصاحبوه في جولاته ورحلاته التي كان يقوم بها في القرى والمدن للدعوة والتبليغ.
وقد عبر العلامة الندوي عن هذا التأثر في كتابه الرائع الذي خصصه للتعريف بالجماعة وشيخها المؤسس، ويسمى: “الشيخ محمد إلياس وحركته الدينية”.
وكذلك العلامة النعماني اهتم بجمع كلمات الشيخ الكاندهلوي ونصائحه، ونشرَها باسم: “ملفوظات مولانا إلياس الكاندهلوي”.
وكان كتاب «الملفوظات» -طبعًا- بالأردية، وترجم إلى العربية قبل سنوات ترجمة ركيكة، لم يظهر في تلك الترجمة جوهر الجهد الدعوي للشيخ محمد إلياس -رحمه الله- وشعر أخونا الفاضل عادل الندوي بضرورة نقل الملفوظات إلى اللغة العربية، لكي يستفيد منها الإخوة العرب أيضًا، ووقع نظره لمهمة الترجمة على الأخ مجيب الرحمن عتيق الندوي الذي يجيد اللغتين الأردية والعربية، فقام الأخ مجيب بذلك خير قيام، فجزاه الله خيرا.
ثم قام أخونا الفاضل الدكتور عادل بمراجعة الترجمة، ووضع اللمسات العلمية عليها، حتى صارت ترجمة الكتاب، كأن الملفوظات صدرت من الشيخ محمد إلياس باللغة العربية الفصيحة لا باللغة الأردية، وفي ظني أن هذه الترجمة المتميزة لو رآها العلامة الندوي والنعماني رحمهما الله لفرحا بها غاية الفرح والسرور.
والحقيقة أن الشيخ عادل اليماني الندوي قد وفق وأجاد بتقديم هذه الثروة الدعوية والتربوية إلى الأوساط الدعوية والتربوية في العالم العربي والإسلامي.
وكتاب «الملفوظات» جدير بأن يستفيد منه الدعاة وطلاب علوم الشريعة في الحقل الدعوي، ويسعوا للحصول عليه، وقراءته بكل جد واهتمام.
فهذه الملفوظات -كما أشرت في بداية السطور- ليست ملفوظات عادية، وإنما هي ملفوظات رجل قيضه الله للدعوة وإحيائها في شبه القارة الهندية خاصة، وفي العالم العربي والإسلامي عامة، حتى تكونت جماعة دعوية عالمية، وقد كانت الدعوة شعاره ودثاره، ولحمته وسداه، وهمه المتواصل في الليل والنهار والسفر والحضر، ولفت أنظار العلماء والعامة إلى الفريضة المهجورة (فريضة الدعوة إلى الله) كمسؤولية أساسية للأمة الاسلامية أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، وقام بها خير قيام الصحابة -رضي الله عنهم- والقرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ولكن تغافل عنها المسلمون عامة في القرون الأخيرة..
إنها ملفوظات (نصائح وتوجيهات) رجل عاش للدعوة وبها وفيها، وسخر جميع مواهبه وحياته كلها لفريضة الدعوة إلى الله، كأنما خُلق للدعوة، وكما عاش لها مات عليها (كما تعيشون تموتون).
ولا يستغني عن هذه الملفوظات والنصائح الدعوية الدعاة في ميادين الدعوة، وسيجدون فيها ما يزيد إيمانهم ويقوي يقينهم ويلهب عواطفهم، ويحرك عزائمهم، كما يزودهم بتجارب دعوية مفيدة.
إنني لو لم أخف من القيل والقال وسوء الظن، لقلت: – بحسن علمي ولا أزكي على الله أحدًا – إنها ملفوظات: «عالم رباني داعية ملهم».
نعم إنها كلمات وتوجيهات إمام الدعوة وحكيمها الذي شهد له كبار علماء شبه القارة الهندية بالعلم والربانية، وكان سببًا في تجديد فريضة الدعوة إلى الله، تلك الفريضة العظيمة التي غابت واختفت في حياة الكثير من رجال ونساء الأمة الإسلامية، ولاشك أن حياة الأمة بدون الدعوة إلى الله تعالى حياة ميتة جرداء لا روح فيها ولا عزة ولا تمكين، ولهذا حصل الضعف الشديد عند كثير من أفراد الأمة، وظهر هذا الضعف في التقصير في المحافظة على الفرائض، وضعف فهم مقاصد الأركان الأربعة (الصلاة والزكاة والصوم والحج)، حتى صارت عند بعض الناس طقوس بلا حقائق مثمرة في الواقع، وضعفت النفوس عن نوافل الطاعات وفضائل الأعمال ومكارم الأخلاق، فهنالك رباط وثيق بين وجود الدعوة، وقوة الإيمان.
فجاء هذا -الداعية المجدد الكاندهلوي- فاهتم بالدعوة غاية الاهتمام، حتى شهد له كل من عرفه وجالسه، فأحيا هذه الدعوة الإيمانية ونشرها في طول الهند وعرضها، ثم انتقلت إلى العالم العربي والإسلامي بتوفيق الله وفضله وعونه وكرمه.
ولا شك في كون منهج هذه الدعوة مباركًا محظيًّا بالتوفيق والتأييد من الله تعالى، فقد قامت على أسس مستمدة من الكتاب والسنة وحياة الصحابة رضي الله عنهم، بغض النظر عن أخطاء كثير من أفرادها بسبب جهلهم بمقاصد الدعوة ومناهجها وفقهها.
والحقيقة أنَّ أخانا الفاضل الدكتور عادل حسن أمين اليماني الندوي يستحق المباركة والشكر والتقدير من كافة الدعاة في الساحة الدعوية على هذا الإنجاز الدعوي الذي يعرف قيمته أصحاب الخبرة والتجربة الدعوية، فجزاه الله خير ما يجزي به عباده الصالحين والدعاة الصادقين المخلصين.
ومن نافلة القول أنَّ الأخ اليماني ابن الدعوة -هذه- وخريج مدرستها، والباذل لها – دائمًا – من وقته، وهمه، وعلمه، وخبرته، ما جعله محبوبًا محترمًا لدى كبار رجال الجماعة، وعلى رأسهم سماحة الشيخ العلامة أبي الحسن الندوي -رحمه الله-، فقد حظي أخونا اليماني من حب الشيخ الندوي وثقته وصحبته ما جعله متميزًا مغبوطًا بين أحبابه ومعارفه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
الجمعة: ٢٦ من شوال ١٤٤٦ھ
٢٥ من أبريل – نيسان – ٢٠٢٥ھ