في عام 1959م، أصدر المفكر والمؤرخ الفلسطيني محمد عزّة دروزة كتابًا يحمل عنوانًا موجعًا وبليغًا: “مأساة فلسطين”، عن دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر.
لم يكن الكتاب مجرد تأريخ لحرب أو هزيمة، بل كان محاولة واعية لتشخيص الجريمة التاريخية التي حلّت بفلسطين وشعبها، في إطار سياسي واستعماري مدروس، وربطها بالتحولات العالمية، والمواقف العربية والدولية التي مهّدت للنكبة.
عرض موجز لتاريخ القضية وتطورها
يحمل الكتاب عنوانًا فرعيًا دقيقًا:
“عرض موجز للقضية الفلسطينية وتاريخها وتطورها وحاضر فلسطين ومستقبلها”، ويكشف هذا العنوان عن نية المؤلف في تقديم معالجة شاملة لا تقتصر على رصد المأساة، بل تمتد إلى تحليل الجذور، وتفكيك السياسات، واستشراف المصير.
يقسّم دروزة بحثه إلى عدة محاور، منها:
الخلفية التاريخية لفلسطين في ظل الحكم العثماني، ثم الانتداب البريطاني، وتواطؤ القوى الكبرى.
تفاصيل وعد بلفور وما تبعه من تشجيع الهجرة اليهودية، وتسليح العصابات الصهيونية.
رصد الوقائع على الأرض من انتفاضات وثورات فلسطينية في وجه الاستيطان والاحتلال.
عرض دقيق للنكبة وأبعادها العسكرية والسياسية والإنسانية عام 1948.
مستقبل فلسطين بين التهديدات والمقاومة، وموقعها في المشروع القومي العربي.
اقتباسات من الكتاب
“النكبة لم تكن نكبة الفلسطينيين وحدهم، بل كانت نكبة الأمة كلها، لأنها كشفت عمق التآمر وضعف الإرادة وتشتت الكلمة.”
“كل من شارك في تقسيم فلسطين أو سكت عن اغتصابها، قد أسهم في تأسيس الكارثة، وعلينا ألا نغفر له باسم التاريخ أو الأخلاق.”
“بريطانيا لم تكن دولة منتدبة، بل دولة مُحتلة تدير فلسطين لمصلحة الصهيونية، وتُعدّ المسرح لتسليمها إلى الغرباء.”
“لا أمل في فلسطين دون وحدة عربية حقيقية، تتجاوز الخلافات وتُدرك أن القضية ليست إقليمية بل وجودية.”
هذه الاقتباسات تعبّر عن الأسلوب الحماسي الصادق للمؤلف، الذي جمع بين الوثائق والتحليل والموقف القومي.
أبرز فصول الكتاب
1- فلسطين تحت الحكم العثماني: يوضح فيه حالة البلاد قبل وقوعها في قبضة الاستعمار البريطاني.
2- الانتداب البريطاني ووعد بلفور: يستعرض فيه بدايات الكارثة المدبّرة.
3- مخططات الاستيطان والهجرة الصهيونية: تحليل لتكتيكات الحركة الصهيونية وتواطؤ القوى الغربية.
4- المقاومة الفلسطينية ومجالس الثورة: يتتبع فيه نضال الفلسطينيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن.
5- نكبة 1948: عرض مفصل للوقائع والتخاذل العربي والمؤامرة الدولية.
6- نظرة إلى المستقبل: دعوة للوحدة والمقاومة كطريق لاسترداد الحقوق.
عن المؤلف
محمد عزّة دروزة (1887 – 1984)، مفكر قومي ومؤرخ فلسطيني، يُعد من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين.
شارك في قيادة العمل الوطني ضد الانتداب، وخلّف أكثر من خمسين مؤلفًا، منها:
“حول الحركة العربية الحديثة”،
“الجامعة العربية وأعداؤها”،
“في سبيل فلسطين”
كرّس دروزة فكره لربط النكبة بالصراع الاستعماري العالمي، ودعا إلى إدراك أن فلسطين ليست مجرد أرض مغتصبة، بل عنوان لصراع حضاري سياسي طويل.
أهمية الكتاب
يُعد “مأساة فلسطين” من أوائل الأعمال التي:
ربطت بين المشروع الصهيوني والاستعمار البريطاني.
حلّلت النكبة ضمن رؤية قومية شاملة.
قدّمت سردًا توثيقيًا وتحليليًا بصيغة شعبية واضحة تصل إلى جمهور واسع.
طرحت أسئلة كبرى حول الهوية والمصير والتحرر.
اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعين عامًا على النكبة، ما زال “مأساة فلسطين” يُقرأ كوثيقة إدانة وكشف مبكر، بل كجرس تنبيه لما يحدث في فلسطين وما يمكن أن يحدث في سواها.
إنه كتاب يفرض نفسه على كل قارئ عربي يريد أن يفهم جذور المأساة الفلسطينية… بعيدًا عن الروايات المزوّرة أو التحليلات الباردة.