شهد إقليم جامو وكشمير المحتل اليوم الأربعاء تصعيدًا جديدًا في موجة الغضب الشعبي المتنامية ضد سياسات الحكومة الهندية، بعد إعلانها عن مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والخاصة المملوكة للسكان المحليين.
” هذه الخطوة، التي يراها الكشميريون حلقة جديدة في سياسة “التغيير الديموغرافي”، فجرت احتجاجات واسعة النطاق في عدة مدن وبلدات، ووضعت ملف الإقليم من جديد على واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي.
تفاصيل الاحتجاجات
خرج المئات من المواطنين الكشميريين في سريـنغـر، بونش، بارهامولا، وشوبيان في تظاهرات حاشدة، رافعين لافتات كتب عليها شعارات مثل:
“الأرض هويتنا ولن نفرط فيها”
“لا لمصادرة الممتلكات”
“الاحتلال إلى زوال”
وأفاد شهود عيان أن قوات الأمن الهندية واجهت المظاهرات باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ما أدى إلى إصابة العشرات بجروح متفاوتة، إضافة إلى اعتقال عدد من المتظاهرين، بينهم ناشطون طلابيون وصحفيون حاولوا تغطية الأحداث.
خلفيات القرار الهندي
تعود جذور الأزمة إلى السياسات التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي منذ إلغاء الوضع الخاص لكشمير في أغسطس 2019.
فبعد هذا القرار المثير للجدل، شرعت السلطات الهندية في سن قوانين جديدة تسمح للمستثمرين والمستوطنين من خارج الإقليم بامتلاك أراضٍ في كشمير، وهو ما اعتبره المراقبون “محاولة متعمدة لإحداث تغيير سكاني” على حساب السكان الأصليين.
القرار الأخير بمصادرة أراضٍ جديدة جاء تحت ذريعة “التنمية العامة” وبناء مشاريع بنية تحتية، لكن الأهالي يؤكدون أن الهدف الحقيقي هو إضعاف البنية الاقتصادية للمجتمع الكشميري ودفع العائلات إلى الهجرة القسرية.
شهادات محلية
قال المزارع الكشميري “محمد أشرف” في تصريح لإحدى القنوات المحلية:
“لقد ورثت هذه الأرض عن أجدادي، وهي مصدر رزقي الوحيد. اليوم يريدون انتزاعها منا بلا وجه حق. هذه ليست تنمية، إنها سرقة موصوفة.”
فيما أضافت الطالبة الجامعية “صفاء بلال”:
“السلطات تسعى لخنقنا اقتصاديًا وسياسيًا. لا يكفيهم حظر الإنترنت واعتقال الشباب، بل يريدون الآن أن نجوع ونرحل عن أرضنا.”
موقف المنظمات الحقوقية
أعربت منظمات حقوقية محلية ودولية عن قلقها الشديد إزاء هذه التطورات. وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان إن مصادرة ممتلكات السكان تحت الاحتلال تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، خصوصًا المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة. كما دعت الأمم المتحدة إلى إرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق في الانتهاكات الممنهجة.
تحليل الخبراء
يرى الخبير في الشؤون الإقليمية الدكتور عبد الله خان أن ما يحدث في كشمير ليس مجرد قضية محلية، بل جزء من صراع جيوسياسي أوسع.
وقال:”الهند تحاول فرض واقع جديد في الإقليم لضمان السيطرة الاستراتيجية على منطقة حيوية تربطها بالصين وباكستان. لكن هذه السياسات قد تؤدي إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار، ليس فقط في كشمير بل في جنوب آسيا بأكملها.”
من جانبه، أوضح المحلل السياسي الهندي راجيف شارما أن حكومة مودي تواجه ضغوطًا داخلية بسبب الوضع الاقتصادي، وتلجأ إلى تغذية النزعة القومية الهندوسية عبر تشديد قبضتها على كشمير.
وأضاف:”بدلاً من الحوار مع الكشميريين، تفضل الحكومة التصعيد الأمني، وهو ما يزيد من عزلة الهند على الساحة الدولية.”
البعد الباكستاني
لم تتأخر إسلام آباد في التنديد بالخطوة الجديدة. فقد أصدرت وزارة الخارجية الباكستانية بيانًا شديد اللهجة، أكدت فيه أن مصادرة الأراضي تشكل جزءًا من مشروع استيطاني خطير يهدد هوية كشمير الإسلامية. ودعت المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الهند لإنهاء سياساتها القمعية.
ويرى المحلل الباكستاني عاصم جاويد أن التصعيد الحالي يمنح باكستان فرصة لإعادة تسليط الضوء على قضية كشمير في المحافل الدولية، خصوصًا في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
لكنه أضاف:”التحدي الأكبر يكمن في ترجمة الدعم الدبلوماسي إلى خطوات عملية توقف الهند عن ممارساتها.”
أبعاد دولية
تزامنت الاحتجاجات مع تحركات أوروبية وأمريكية متزايدة للحديث عن حقوق الإنسان في كشمير، لكن دون أي ضغوط فعلية على نيودلهي. ويرجع بعض الخبراء ذلك إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية التي تربط الغرب بالهند، خاصة في ظل التنافس مع الصين.
وفي هذا السياق، قال الباحث البريطاني مارك وودز:
“المجتمع الدولي يتعامل بازدواجية واضحة. فهو يرفع شعارات حقوق الإنسان لكنه يتجاهل كشمير خوفًا من خسارة الشريك الهندي في مواجهة الصين.”
الوضع الإقليمي
إلى جانب كشمير، تشهد المنطقة توترات أخرى:
الحرب المستمرة في أوكرانيا وتأثيرها على التموضع الروسي-الهندي.
النزاع الحدودي بين الهند والصين في لداخ.
الأوضاع المتوترة في أفغانستان بعد عودة طالبان.
كل هذه العوامل تجعل من كشمير نقطة اشتعال قابلة لتفجير صراعات أوسع في جنوب آسيا، مما يفسر حساسية الملف بالنسبة للقوى الكبرى.
آفاق المستقبل
يرى الخبراء أن السيناريوهات المحتملة تتراوح بين:
1. استمرار التصعيد مع مزيد من المصادرات والاحتجاجات، وهو ما قد يؤدي إلى انفجار انتفاضة شعبية جديدة.
2. ضغوط دولية تدريجية قد تجبر الهند على التراجع عن بعض الإجراءات، خاصة إذا ارتفعت كلفة العنف على صورتها الدولية.
3. حوار سياسي مشروط قد تفرضه التطورات الإقليمية، لكن احتمالاته تبقى ضعيفة في ظل حكومة مودي الحالية.
ما يجري في كشمير اليوم الأربعاء ليس مجرد احتجاج عابر، بل تعبير صارخ عن صراع طويل الأمد بين الهوية والاحتلال، بين الحق والقوة. فبينما يسعى الكشميريون للحفاظ على أرضهم وحقوقهم، تواصل الحكومة الهندية سياساتها القمعية في تحدٍ صارخ للقانون الدولي.
