تقارير

صراع المنابر: النظام الإيراني يتخبّط بين التفاوض ورفض أمريكا

في ظلّ تصاعد الضغوط الدولية، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، يجد النظام الإيراني نفسه مجبرًا من جديد على الإيحاء باستعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، رغم عقود من العداء المعلن ورفض الحوار المباشر مع واشنطن.

هذا التحوّل المفروض لا ينبع من إرادة سياسية حقيقية، بل هو انعكاس لعمق الأزمة التي يعيشها النظام، وفقدانه لخيارات بديلة في مواجهة العقوبات، والعزلة الدولية، والانهيار الاقتصادي الذي أضعف موقعه الداخلي والخارجي.

ومع ارتفاع الحديث عن “إشارات” متبادلة بين واشنطن وطهران، تحوّلت منابر صلاة الجمعة إلى ساحات تعكس الانقسام العميق بين أجنحة النظام،

الحوار والتفاوض الخيار الوحيد لحل القضية النووية الإيرانية
الحوار والتفاوض الخيار الوحيد لحل القضية النووية الإيرانية

حيث جاءت خطب أئمة الجمعة المقرّبين من خامنئي مليئة بالتناقض والتراشق غير المباشر حول مسألة التفاوض مع أمريكا، خاصة في ظلّ الذكريات المريرة التي ما زال النظام يحملها تجاه اتفاق عام 2015 النووي.

علم‌الهدى من مشهد: “برجام لعنة رأيتموها بأعينكم”

في مدينة مشهد، هاجم آخوند أحمد علم‌الهدى، ممثل خامنئي، بشدة الاتفاق النووي لعام 2015، مشيرًا إلى ما اعتبره خيانة أمريكية وندمًا يجب تذكّره:

“هذا البرجام اللعين كان أمام أعينكم… ذهبوا، جلسوا، تبادلوا الابتسامات والمصافحات، وساروا في الشوارع، ثم رأيتم أمريكا وهي تمزّق الاتفاق بوقاحة.

ومضي للقول :هذا الاتفاق الذي أُقرّ في مجلس الأمن القومي الأعلى، لم تلتزم به أمريكا مطلقًا. إنهم يفرضون الالتزامات على الطرف الآخر، ولا ينفّذون منها شيئًا، ولا أحد يمنعهم.”

في طهران، كرّر الملا كاظم صديقي المقولة القديمة التي أطلقها خميني عن العلاقة مع واشنطن، في رفض مباشر لأي تطبيع أو حوار:

“خاميني قال: علاقتنا بأمريكا كعلاقة الذئب بالخروف، والذئب حين يقترب من الخروف، يأتي ليأكله.

واضاف أمريكا لم تنسَ خسارتها لمصالحها في إيران، وتكنّ عداءً لا يمكن التصالح معه مع النظام الإسلامي.”

تحذيرات  من الانقسام الداخلي”

أما في همدان، حاول الملا حبيب‌الله شعباني تجنّب تأجيج الصراع الداخلي، داعيًا إلى الثقة في “تدابير النظام” وتجنّب الانقسام بين مؤيد ومعارض للتفاوض:

“لا ينبغي أن ندخل في حالة من الاستقطاب؛ بعض يقول نحن مع المفاوضات، وآخر ضد. يجب أن نثق بتدابير النظام… نعم، تجربتنا مع برجام كانت مريرة، فقد زادت الضغوط الاقتصادية وتعقّدت العقوبات. علينا أن نكون يقظين حتى لا تتكرّر الأخطاء.”

أما آخوند محمد علي فاطمي في مدينة شهرکرد، فقد حاول تصوير أي مفاوضات قادمة على أنها نتيجة ضعف أمريكي لا ضعف إيراني:

“ترامب قال في رسالته: إما الحرب أو التفاوض المباشر. لو قبلت إيران، لكان معناها أنها خافت من الحرب، لكن الحقيقة هي أن أمريكا هي من تتراجع. هي من خفّضت مطالبها، وليس الشعب الإيراني ولا قائد الثورة من يخاف.”

انقسامات داحل المشهد السياسي الإيراني

خطابات أئمة الجمعة التابعة لخامنئي يوم الجمعة 11 أبريل، كشفت هشاشة الخطاب الرسمي للنظام، وعمق الانقسام داخل أروقته بشأن العودة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة.

ففي حين يهاجم البعض الاتفاق النووي لعام 2015 ويتحدّث بلغة التحدي، يسعى آخرون إلى تهدئة الرأي العام وتحذيره من الانقسام، بينما يحاول فريق ثالث تسويق الانفتاح المحدود على أنه “تراجع أمريكي” لا تغيّر في موقف النظام.

ما ظهر على منابر الجمعة لم يكن سوى انعكاس علني لما يدور خلف الكواليس من صراعات، في وقت تتزايد فيه مؤشرات الاضطراب داخل النظام، بين واقع مأزوم، وخطاب عقيم، ومسار تفاوض لا تملكه طهران بل يُفرض عليها فرضًا.

ومع ذلك، فإن الكلمة الفصل ستكون للشعب الإيراني ومقاومته، اللذين سيقرران مصير هذا النظام الديكتاتوري الملالي، وهدفهما النهائي هو إسقاطه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى