منذ قيام الدولة الإيرانية ، نجح النظام في ترسيخ نموذج ديني سياسي فريد قائم على ولاية الفقيه. ورغم العقوبات والاحتجاجات المتكررة، ظلّ هذا النظام صامدًا بفضل تحالفه الأمني–الديني وآلياته القمعية. ومع ذلك، تزداد التحديات التي تهدد استقراره الداخلي وشرعيته الشعبية.
نظام ديني صامد رغم التحديات
منذ تأسيس الدولة الإيرانية، نجح النظام في ترسيخ نموذج سياسي ديني قائم على ولاية الفقيه، حافظ على بقائه رغم التحديات المتتالية. تجاوز النظام موجات اضطراب أطاحت بأنظمة مشابهة في المنطقة، وواجه عقوبات دولية مشددة، لكنه استطاع التكيّف وتعزيز نفوذه داخليًا وخارجيًا، كما أشارت صحيفة فايننشال تايمز.
المرشد والحرس: تحالف السلطة الثابت
المرشد الأعلى علي خامنئي يمسك بمفاتيح السلطة المطلقة، من خلال شبكة مؤسساتية معقّدة ترتبط مباشرة بمكتبه. الحرس الثوري الإيراني لا يمثّل فقط الذراع العسكرية للنظام، بل يشكّل قوة اقتصادية ضخمة.
كشفت وكالة رويترز في تحقيق استقصائي أن مؤسسة “ستاد” التابعة للمرشد الأعلى تدير أصولًا بمليارات الدولارات خارج رقابة الحكومة، وتُستخدم في تمويل الدوائر الأمنية ومؤسسات الدولة.
اقتصاد موازٍ يتحدى العقوبات
رغم العقوبات الغربية، لم ينهَر الاقتصاد الإيراني كليًا. اعتمدت طهران على التحايل عبر شبكة من الناقلات غير المعلنة التي تنقل النفط إلى آسيا، وهو ما أكدته وكالة رويترز في تقاريرها حول تجارة “الأسطول غير المرئي”.
كما أشارت تقارير بلومبرغ إلى تنامي العلاقات التجارية بالعملات البديلة مع الصين وروسيا، خارج النظام المالي العالمي.
قمع الاحتجاجات بدل الإصلاح
في الداخل، واجه النظام احتجاجات واسعة، أبرزها ما حدث بعد وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق. المظاهرات عمّت معظم المدن، وشاركت فيها شرائح واسعة من المجتمع، خصوصًا النساء والشباب.
وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ردّ النظام بالقوة، ما أسفر عن مئات القتلى وآلاف المعتقلين، مع تقليص مساحات التعبير والإعلام.
انتخابات بلا تغيير حقيقي ممكن
النظام يحتفظ بهيكل سياسي يمكّنه من تنظيم انتخابات، لكن دون تهديد فعلي لمراكز القوة. مجلس صيانة الدستور، المقرّب من المرشد، يتحكم في ترشيحات الانتخابات، ويقصي معظم الأصوات المستقلة أو الإصلاحية.
ووفقًا لتقارير الجزيرة الإنجليزية، فقد سجّلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أدنى نسبة مشاركة منذ الثورة، ما يعكس تراجع الثقة الشعبية.
نفوذ خارجي بتكلفة باهظة داخليًا
على المستوى الإقليمي، تبنّى النظام الإيراني استراتيجية النفوذ غير المباشر عبر دعم جماعات مسلّحة في المنطقة. حزب الله في لبنان، الفصائل الموالية في العراق، والحوثيون في اليمن، يشكّلون جزءًا من شبكة النفوذ التي تديرها طهران.
تقرير مطوّل نشرته مجلة نيويوركر أوضح أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري يلعب الدور المركزي في تنسيق هذه التحالفات إقليميًا.
اقتصاد متدهور وسخط اجتماعي
لكن هذه السياسة كلّفت الدولة الكثير. بحسب البنك الدولي، تعاني إيران من تضخم مرتفع وبطالة متزايدة، خاصة بين الشباب. ويشعر قطاع كبير من الإيرانيين أن موارد البلاد تُستنزف في مشاريع خارجية بينما تتدهور الأوضاع المعيشية في الداخل، وهو ما زاد من حدة التذمّر الاجتماعي.
قاعدة شعبية محافظة ما تزال
رغم ذلك، لا يزال النظام يحتفظ بقاعدة اجتماعية متماسكة، تتمثل في الفئات المحافظة، الريفية، والدينية، ممن ترى في الجمهورية الإسلامية حامية للهوية والمقاومة. هذا الولاء يُفعّل غالبًا في حالات التصعيد مع الخارج،
كما حدث بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، إذ تحوّل التهديد الخارجي إلى أداة تعبئة وطنية، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس.
سؤال الخلافة يقلق الجميع
يبقى السؤال الأكبر متعلقًا بمستقبل القيادة بعد خامنئي. لا توجد مؤشرات واضحة حول شخصية الخليفة المحتمل. بعض التحليلات في فورين أفيرز تشير إلى احتمال تصعيد شخصيات من المؤسسة العسكرية أو انتقال السلطة إلى ابنه مجتبى خامنئي، ما قد يفتح بابًا لصراع داخلي بين أجنحة النظام.
تماسك ظاهري وتآكل داخلي
إيران اليوم تبدو دولة متماسكة ظاهريًا، لكنها تواجه تآكلًا داخليًا واضحًا. الأزمة الاقتصادية، الشرعية السياسية المتراجعة، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع، كلها مؤشرات على أن النظام ينجو بفضل القمع والمرونة، لا بسبب الرضى الشعبي أو الاستقرار الحقيقي.
ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، يصبح مستقبل النظام الإيراني مرهونًا بقدرته على إعادة إنتاج نفسه، أو التورط في مسار انحداري لا يمكن التنبؤ بنهايته.
