بعد ثلاث سنوات على اعتقاله في كابل، تكشف روايات شهود ومسؤولين أميركيين تفاصيل جديدة عن ملابسات احتجاز المواطن الأميركي محمود حبيبي، المرتبطة بعملية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري عام 2022.
في 10 أغسطس 2022، وبينما كان حشد من السكان المحليين يراقبون، حاصرت سيارات تابعة للمديرية العامة للاستخبارات – الجهاز الأمني السري لـ«طالبان» – سيارة تويوتا لاند كروزر كان يجلس فيها محمود حبيبي (37 عامًا)، الرئيس السابق لهيئة الطيران المدني الأفغاني.
شهود قالوا إن المسلحين، وهم يرتدون زيًا رسميًا وشارات الاستخبارات، حطموا باب شقته في حي شيربور، وصادروا حاسوبه المحمول وأوراقه. كان حبيبي وسائقه معصوبي الأعين، وتم اقتيادهما إلى جهة مجهولة.
وبحسب وثائق اطّلعت عليها الحكومة الأميركية، فإن عملية الاعتقال ترافقت مع مداهمة مقر الشركة التي يعمل بها حبيبي – «مجموعة آسيا للاستشارات» التابعة لشركة أميركية – حيث اعتُقل 30 موظفًا آخر، أُطلق سراح معظمهم لاحقًا، باستثناء حبيبي وموظف آخر.
تفيد مصادر أميركية حاليّة وسابقة بأن اعتقال حبيبي جاء بعد عشرة أيام فقط من اغتيال أيمن الظواهري في غارة أميركية بطائرة مسيّرة، نفذتها CIA في كابل بأمر من الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
المصادر أوضحت أن وكالة المخابرات اخترقت نظام المراقبة في الشركة التي يعمل بها حبيبي، حيث كانت تدير أبراج اتصالات مزودة بكاميرات أمنية لحمايتها.
إحدى هذه الكاميرات وُجّهت نحو منزل يرتبط بسراج الدين حقاني، القائم بأعمال وزير الداخلية في حكومة «طالبان». أظهرت التسجيلات وجود الظواهري في المكان، ما وفّر دليلاً حاسمًا مكّن الـ«CIA» من استهدافه بصاروخين من طراز «هيلفاير R9X» في 31 يوليو 2022، عندما خرج إلى شرفة المنزل.
نجت عائلة الظواهري من الغارة، لكن وجود هذه الكاميرا – المرتبطة بعقد تديره الشركة الأميركية – ربط في نظر «طالبان» بين نشاط الشركة واغتيال زعيم القاعدة.
رغم الأدلة التي جمعتها واشنطن – بما في ذلك بيانات من هاتف حبيبي رُصدت داخل مقار الاستخبارات الأفغانية في يونيو وأغسطس 2023 – تنفي «طالبان» اعتقاله أو معرفة مكانه.
المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، قال في يوليو 2025 إن «طالبان» لم تجد أي دليل على احتجازه لديها، مؤكدًا أن حكومته «لا تحتجز الأفراد خارج إطار القانون».
هذا الإنكار يشكل عقبة أمام جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة الخارجية الأميركية، التي تعتبر حبيبي رهينة رسمية. وقد عرضت واشنطن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى الإفراج عنه.
وفق شقيقه أحمد، كان حبيبي يستعد للسفر إلى نيوجيرسي حيث تقيم أسرته، حين تلقى اتصالاً من مكتبه يفيد بمداهمة «طالبان» لمقر الشركة. بعد دقائق من مغادرته الشقة، حاصرته سيارات الاستخبارات.
لاحقًا، داهم عناصر «طالبان» الشقة بحضور شقيقته وطفليها، وكسروا الباب، وفتشوا الخزائن، وصادروا جهازه المحمول. الشارع أُغلق بخمس سيارات تابعة للاستخبارات وسط تجمع المارة.
عرضت واشنطن على «طالبان» العام الماضي مبادلة حبيبي بمحمد رحيم الأفغاني – آخر أفغاني محتجز في سجن غوانتانامو – لكن الحركة رفضت.
مسؤولون أميركيون يرون أن الإفراج عن حبيبي سيكون «أسهل خطوة» لتحسين العلاقات بين كابل وواشنطن، خاصة مع سعي «طالبان» للحصول على اعتراف دولي بها كحكومة شرعية.
قبل أسبوع من احتجازه، كان حبيبي قد عاد من دبي إلى كابل بعد زيارة قصيرة إلى قطر لطمأنة أسرته المقيمة هناك بانتظار الحصول على تأشيرات الهجرة إلى الولايات المتحدة.
في أغسطس 2021، كان حبيبي في كابل أثناء انسحاب القوات الأميركية وسقوط العاصمة بيد «طالبان»، حيث اختار البقاء إلى جانب أسرته.
منذ اعتقاله، لم تره زوجته أو ابنته، فيما استقرت عائلته في كاليفورنيا بعد مغادرتها قطر في أكتوبر 2022.
مع اقتراب الذكرى الثالثة لاعتقاله، تكثف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب – التي جعلت الإفراج عن الأميركيين المحتجزين بالخارج أولوية – جهودها لاستعادته.
لكن، رغم عرض المكافأة والمفاوضات، تشير مصادر أميركية إلى أن حبيبي لا يزال بعيدًا عن الحرية، وأن القضية تظل عقدة سياسية وأمنية بين واشنطن و«طالبان».