أقلام حرة

كيف نفهم اللغز في سلوك إيران تجاه ذراعها في لبنان؟

بقلم: مضر أبو الهيجاء

سألني أحد الدعاة الأحرار والثوار الأبرار حول واقعة الهجوم الإسرائيلي على حزب الله في جنوب لبنان، وهل الحرب الدائرة الآن حقيقية، أم تهدف لإعادة تمجيد الحزب؟ وما تفسير شكل التعامل والتعامي الإيراني، ومقصود ذلك النهائي؟

ابتداء لابد من تقرير أن المعتبر في شكل الصراع هو طبيعته بين إسرائيل وإيران، وأما أذرعها فهي تأتي في سياق التفهامات الكبرى أو الاحتراب المحدود والمدروس ضمن الرؤية الأمريكية التي تدير المشهد وتحدد مربعاته على رقعة الشطرنج المضبوطة.

إن الصراع القائم بين إيران وإسرائيل هو صراع حقيقي، ولكنه صراع نفوذ وليس صراع وجود، بخلاف الصراع القائم بيننا كعرب ومسلمين وبين المشروع الصهيوني وإسرائيل فهو صراع وجود وليس صراع نفوذ.

كما لابد من تقرير أن المشروع الإيراني الغول والعاقل يستخدم الآخرين كأدوات -ليس إلا-، والفرق في أدواته أن حزب الله اللبناني والحشد العراقي والحوثي اليمني من شحمه ولحمه، أما نحن كمسلمين وكسنة -ومن قبل منا اللقاء الاستراتيجي معه-، فإنه يتعامل معنا وفق منطق امتطاء الدواب -حاشاكم-.

أعتقد وأرجح أن ضرب إسرائيل لحزب الله في جنوب لبنان ليس كحرب 2006، وليس المقصود منه الإعلاء من الحزب ومضاعفة أسهمه في لبنان، وإنما هو استكمال لمعركة غزة التي تأتي في سياق إعادة ترتيب المنطقة، وفق التصور الأمريكي لما يجب بعد انجاز حرف واتلاف الثورات العربية الهائلة.

حزب الله سيبقى في لبنان ككلب مخلص ووفي للمشروع الإيراني ولولي الفقيه، أما حماس فسوف تنحر نحرا وسيدفن من تبقى صامدا من أهل غزة، إلا إذا قبلت قيادة حماس الحالية والمسردبة أن تكون مكتبا تابعا للحرس الثوري، مع الإبقاء على هامش محدود يسمح لها بالنشيد فتنت روحي يا شهيد!

يمكنني القول بشفافية مطلقة أن غزة اندثرت وحركة حماس السياسية قد توفيت دون اعلان الوفاة، ولم يبق في الميدان إلا السامري وهو اليوم قابع يرقب المكافأة على إنجازاته من طهران.

وبنظرة سياسية مجردة عن عصبية الانتماء وكبر الولاء للتنظيمات والجماعات وحدود التراب .. أعتقد جازما بأن الفاعلية الحقيقية المتبقية في الأمة هي في الشام -لاسيما بعد الانقلاب الأمريكي في مصر، وتفكيك ودفن العراق العظيم لزمن بعيد-، ففلسطين في المرحلة الحالية لم تعد فاعلة، وذلك بعد أن ساقتها إيران -عن وعي واتفاق- للمقصلة تحت زعم الطوفان!، ومصر تمت السيطرة عليها وهي تقف حاليا على حافة الهاوية، والعراق تم دفنه، والخليج مخصي من خلال أنظمته منذ ردح وزمن، واليمن وليبيا والسودان تحولت إلى تفاصيل رغم حجم عذاباتها وقهر الإنسان… الخ

لم يتبق للأمة من مساحة فاعلة قادرة على إحداث منعرج غير أرض الشام من خلال ثوارها الشرفاء -إن كانوا بميتوى وعي المرحلة-، وهنا بيت القصيد والذي يجعل أمريكا تسن أسنانها وتعيد تهيئة أداتها الإسرائيلية -وهو أحد أهداف الطوفان الأمريكي- ، فيما ترقب إيران وتنتظر حصتها ودورها، معلنة انضباطها تجاه حزبها في لبنان، بعد أن أسقطت سفهاء السياسة وأسقطت غزة ودمرت قوتها العسكرية وحفظت لها مكاتبها في الدوحة لتستكما إتلاف القضية الفلسطينية، والتي لن تقوم لها قائمة إذا لم تنهض الشام وتتعافى مصر.

وفيما كانت إسرائيل تضرب غزة كنت أنبه وأشير لعينها التي ترقب الضفة الغربية والشرقية في نفس الآن، واليوم في الوقت الذي تضرب فيه إسرائيل جنوب لبنان فإن عينها على سورية وجنوبها الثري، وإيران الملالي تعي وتنتظر حصتها فيها بعد أن ابتلعت كامل العراق، مذكرة حكام أمريكا بحصتها الواجبة.

لبنان سيبقى هشا ويزداد هشاشة بعد تقليم أظافر الحزب واعادة تموضعه بصيغ جديدة تناسب الأوضاع والخرائط القادمة.

الشام، الشام، الشام.. آخر معاقل المسلمين الفاعلة في هذا العصر والزمان، فإياكم وإياكم أن تولوا أعينكم عنها، دون أن تهملوا قضاياكم المحلية لتخدم نفس المشروع وتراكم في نفس السياق.

وأما إن غازلكم الأمريكان ليخبروكم أنه قد انقضى على مشروع سايكس وبيكو زمن طويل، وأن المرحلة تستدعي تقسيما جديدا، فإياكم وإياكم وحرام عليكم أن تقبلوا بإقامة المملكة العربية الجولانية في شمال سورية، ويعقد فيكم تحالف من جديد بين بعض الإسلاميين وبين الحاكم الفعلي برعاية القوى الدولية.

ختاما أقول: لن تنجو منطقتنا وشعوبنا من العذابات القادمة، ولن تتحقق بداية لنهضة حقيقية مادامت مشاريعنا عوراء قطرية وقاصرة، ومن دفعته شهوة الحكم والسلطان للظن أنه قد ينجو مرحليا عبر اتفاق، فلينظر الى غزة الأبية كيف انتهى حلمها وضاع فيها الرجاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *