
بُنيت الجمهورية التركية الحديثة على أُسس الديمقراطية المعاصرة، الاأنها كانت عُرضة لـ5 انقلابات عسكرية في العقود الـ6 الأخيرة، عاشتها تركيا،لأخذ الديمقراطية التركية إلى نفق مظلم وسلب الشعب حريته والإضرار باقتصاده وحياته السياسية والاجتماعية،من عام 1960 وصولاً إلى عام 2016 .
حيث تعرضت تركيا لـ4 انقلابات عسكرية ومحاولة خامسة أفشلها الشعب، ففي اثنين تحرك بهما الجيش وانقلب على الشرعية بشكل مباشر، واثنين آخرين اكتفى بهما الجيش بإصدار مذكرات عسكرية كانت كفيلة بإسقاط الحكومات وقتها، فيما أفشل الشعب المحاولة الخامسة عام 2016.
أول انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة
في الـ27 من مايو/أيار 1960 وقع أول انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، فبعد أن استولى 37 ضابطاً من ذوي الرتب المنخفضة على قيادة الجيش التركي نفذوا انقلاباً عسكرياً على الحكومة التركية آنذاك برئاسة عدنان مندريس. وإلى جانب اعتقال مندريس، اعتُقل أيضاً الرئيس جلال بايار وبعضاً من أعضاء الحكومة، فضلاً عن فصل 235 جنرالاً ونحو 3500 ضابط و147 محاضراً و520 قاضياً.
وعقب تولي ما سمي “لجنة الوحدة الوطنية” المؤلفة من الـ37 ضابطاً والجنرال المتقاعد جمال كورسل الذي خطط للانقلاب ونفذه، إدارة البلاد، حُلَّ البرلمان وألغي العمل بالدستور، وأغلقت بعض الجامعات خوفاً من المظاهرات الشعبية المنددة بالانقلاب العسكري، وبدأت محاكمة عدنان مندريس وأعضاء حزبه التي انتهت بإعدامه في 15 سبتمبر/أيلول 1961.
انقلاب المذكّرة عام 1971)
بعد 11 عاماً من الانقلاب العسكري الأول الذي شهدته تركيا وأدى إلى إعدام مندريس، شهدت البلاد انقلاباً عسكرياً من نوع آخر في 12 مارس/آذار 1971، عُرف بـ”انقلاب المذكّرة”، في إشارة إلى المذكّرة العسكرية التي أرسلها الجيش إلى رئيس الدولة حينها، وأدت إلى استقالة الحكومة التركية الـ32 برئاسة سليمان دميرل، لتتحوّل تركيا إلى ما عُرف بـ”نظام الثاني عشر من مارس”.
وكان السبب الرئيسي وراء تلك المذكرة العسكرية هو الحفاظ على تركيا ضمن المربع الغربي، بسبب الانتشار المتزايد للأفكار اليسارية المدعومة من الاتحاد السوفييتي في تركيا وتزايد المظاهرات وأعمال العنف المنددة بالإمبريالية الأمريكية، وما لحقه من دخول حزب العمال التركي اليساري إلى البرلمان.
انقلاب عام 1980
وكما حُلَّت حكومة سليمان دميرل بعد مذكرة العسكر عام 1971، حُلَّت حكومته مجدداً بعد انقلاب عام 1980.
ففي 12 سبتمبر 1980 شهدت تركيا انقلاباً عسكرياً جديداً بزعامة الجنرال كنعان أورن مع مجموعة من الضباط في الجيش التركي، حُلَّ إثرها البرلمان وتوقف العمل بالدستور وأُغلِقت الأحزاب السياسية.
وشهدت الفترة التي أعقبت الانقلاب حالة قمع سياسي غير مسبوقة واضطرابات قُتل فيها عديد واعتُقل آلاف، كما نُفي دميرل وعدد من الشخصيات السياسية، أبرزهم بولنت أجاويد ونجم الدين أربكان وألب أرسلان توركش.
انقلاب ما بعد الحداثة عام 1997.
بعد فوز “حزب الرفاه” بزعامة نجم الدين أربكان في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1995، وبعد مشاورات مع بقية الأحزاب السياسية من أجل تشكيل حكومة ائتلافية تمكن أربكان في يونيو/حزيران 1996 من تشكيل حكومة ائتلافية بزعامته بدعم من تانسو تشيلر من حزب “الطريق القويم”، التي تولت منصب نائبة رئيس الوزراء وزيرة الخارجية.
وبحجة “حماية علمانية الدولة من الرجعية الدينية”، أصدر مجلس الأمن القومي سلسلة قرارات بضغوط من كبار قادة الجيش في 28 فبراير/شباط عام 1997، لم تؤدِّ إلى الإطاحة بحكومة أربكان فحسب، بل إلى حل “حزب الرفاه” بشكل دائم أيضاً. واعتُبر التدخل العسكري الذي أدى إلى استقالة أربكان انقلاباً عسكرياً أبيض غير مُعلن، سُمّي لاحقاً بـ“انقلاب ما بعد الحداثة”.
حزب العدالة والتنمية
وعلى الرغم من منع القضاء التركي أربكان وقادة آخرين من حزبه ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات، كان من ضمنهم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان الذي كان عمدة إسطنبول حينها، فإن الشعب التركي قرر رفض هيمنة العسكر على الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في البلاد.، ودعم بقوة الأحزاب السياسية التي انبثقت عن “حزب الرفاه”، وأبرزها “حزب العدالة والتنمية” الذي تسلم حكم البلاد منذ عام 2001 بشكل متواصل.
محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016
تعرضت تركيا في 15 يوليو 2016 لمحاولة انقلاب فاشلة خططت لها ونفذتها عناصر محدودة من الجيش تتبع تنظيم جولن حاولوا ليلتها سلب الشرعية والسيطرة على مفاصل الدولة المهمة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، بالإضافة إلى محاولتهم اغتيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إلا أن الشعب التركي وقف بجميع أطيافه الحزبية والدينية والعرقية صفاً واحداً أمام تلك المحاولة، وهرعوا إلى الساحات والميادين في شتى المدن التركية تلبيةً لنداء الديمقراطية، وتحولت هواجس الانقلاب التي تدور في الظلام إلى صيحات “نكون شهداء ولا نُقسم الوطن”، وبفضل شجاعتهم وتضحياتهم التي أسفرت عن وقوع نحو 251 شهيداً وأكثر من 2200 جريح أُفشلت محاولة الانقلاب قبل بزوغ فجر اليوم التالي.
فشل الإنقلاب، وخرج الرئيس رجب طيب أردوغان من المحنة أكثر قوة مما كان.
وبعد الساعة الثالثة فجراً، ظهر الرئيس أردوغان خارج مطار أتاتورك في اسطنبول وسط هتافات مؤيديه وأنصاره.
ولقد مثلت تلك الليلة بالنسبة لكثيرين من الأتراك ولادة جديدة للجمهورية التركية المعاصرة. وبث الرئيس أردوغان أثناء سفره من مارماريس الى إسطنبول رسالة مصورة نقلها التلفزيون التركي حث فيها المواطنين على الخروج الى الشوارع ومواجهة المحاولة الإنقلابية.
حملة اعتقالات واسعة
وفي غضون ساعات، تحول أردوغان من رئيس كاد يفقد السيطرة على بلاده الى زعيم لا يقهر.انطقلت حملة اعتقالات في البلاد وطالت أكثر من 160 ألف شخص بين معتقل ومطرود ومقال، من رجال شرطة إلى طيارين إلى مدرسين إلى رجال أعمال.
وصوّر أردوغان وحلفاؤه الإنقلاب الفاشل بأنه من عمل أعداء يتآمرون على تركيا. واصفا إياهم بأنهم “مثقفون وهميون” و”طابور خامس” ينفذ رغبات القوى الأجنبية والإرهابيين.
انضمام تركيا للناتو
تقدمت تركيا بطلبها الأولي للانضمام إلى الناتو عام 1950، لكنه لم يلق قبولا، إذ عارضت بعض دول غرب أوروبا، خاصة فرنسا وبريطانيا، طلبها خوفا من أن يتسبب موقع أنقرة الجغرافي المجاور لدول الشرق الأوسط المضطربة، في تورط الناتو في صراعات لا ترغب هذه الدول الأوروبية في الانخراط بها، مما يعكس تحيزا في الالتزامات الأمنية وفقا للمصالح الجيوسياسية للدول الأوروبية.
سعت تركيا لتقديم عربون صداقة مع الحلف وتعزيز فرصها في الانضمام له بإرسال قوات تضم 4500 جندي إلى شبه الجزيرة الكورية، مع اندلاع الحرب الكورية في يونيو/حزيران 1950 ولكنه قوبل بالرفض أيضا.
في النهاية، دفعت الولايات المتحدة بقوة للحصول على موافقة على انضمام تركيا إلى الحلف، مستندة إلى الحاجة الملحة لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية للناتو، لتنضم أنقرة إليه في 18 فبراير/شباط عام 1952.
وتبرز هذه الجهود في مساهمات تركيا في عمليات الناتو بشرق البحرين الأبيض المتوسط والأسود،وموقعها الفريد كنقطة التقاء بين أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وجوارها الجغرافي مع روسيا.
تنتهج تركيا سياسة موازنة بين التزاماتها الحلفية وعلاقاتها التجارية والطاقية مع موسكو، مما يضفي أهمية على موقعها ضمن الحلف.
على الرغم من التاريخ المعقد بين تركيا وروسيا، فإن الدبلوماسية على مستوى القادة جعلت تركيا في موقف فريد داخل الناتو يمكنها من إقامة علاقات غير عدائية مع روسيا.
وهو ما قد يُعتبر فرصة للناتو للحفاظ على السلام مع موسكو .