يحتضن البيت الأبيض، اليوم الجمعة، لقاءً تاريخياً يجمع بين رئيس جمهورية أذربيجان، إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشینیان، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتوقيع اتفاقية سلام رسمية تُنهي عقوداً من الصراع في منطقة القوقاز.
هذا الحدث المهم وصفته مصادر إعلامية دولية بأنه خطوة محورية في تحرك دبلوماسي أميركي جديد لإعادة تشكيل النظام الجيوسياسي في جنوب القوقاز.
وسيعلن ترامب في هذه المناسبة عن توقيع اتفاقيات منفصلة مع كل من أرمينيا وأذربيجان لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي في المنطقة. وسبق أن وصف الرئيس الأميركي زعيمي الدولتين بأنهما “شجاعان”، متمنياً أن يشهد العالم “يوماً تاريخياً”، اليوم الجمعة.
وتشير تحليلات مصادر مقربة من الإدارة الأميركية إلى أن هذا اللقاء ليس حدثاً عابراً، بل جزء من “هجوم دبلوماسي مخطط له” يستهدف تقليص النفوذ الروسي المتآكل في منطقة “أوراسيا”، حيث أشار الباحث لوك كوفي من “معهد هدسون” إلى أن توقيت القمة يتزامن مع انتهاء مهلة أميركية لروسيا حول الحرب بأوكرانيا، معتبراً أن هذا الأمر يدل على تراجع الحضور الجيوسياسي لموسكو وبداية حقبة جديدة من النفوذ الأميركي في جنوب القوقاز.
من جهته وصف السيناتور ستيف دینز الاتفاق المرتقب بأنه “قضية حاسمة للأمن القومي الأميركي”، مشيراً إلى أن ممر زنغزور الاستراتيجي – الذي سيتم التوافق حوله لربط جمهورية نخجوان المعتمة بحكم ذاتي بالوطن الأم جمهورية أذربيجان – سيمكّن دول آسيا الوسطى من توجيه صادراتها نحو أوروبا بعيداً عن النفوذ الروسي والإيراني.
الوثائق والتفاهمات المرتقب توقيعها خلال القمة
-اتفاق سلام رسمي بين أرمينيا وأذربيجان.
-اتفاقية شراكة استراتيجية بين أذربيجان والولايات المتحدة.
-تمديد اتفاقية الشراكة بين الولايات المتحدة وأرمينيا والموقعة في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
-تعليق تنفيذ “البند 907” من قانون “دعم الحرية”، الذي كان يمنع المساعدات الأميركية المباشرة لأذربيجان منذ 1992.
-توقيع مذكرة تفاهم بين شركة “سوكار” الأذربيجانية وشركة “إكسون موبيل” الأميركية.
-تشكيل فريق عمل استراتيجي مشترك بين باكو وواشنطن مع التركيز على الربط الإقليمي في مجالات الطاقة والتجارة والنقل، والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وصفقات الصناعات الدفاعية.
وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام التركية معلومات بشأن منح شركة عسكرية أميركية خاصة مهمة إدارة وتطوير الممر الجديد، الذي أُطلق عليه اسم “ممر ترامب من أجل السلام والازدهار الدولي” (TRIPP) والذي مُنحت الولايات المتحدة حق تطويره لمدة 99 عاماً بموجب قانون أرميني خاص أُقر مؤخراً.
موقف إيران من ممر زنغزور
يذكر أن إيران أبدت مراراً معارضة قوية لمشروع ممر زنغزور، معتبرةً أنه تهديد مباشر لأمنها القومي ومصالحها الإقليمية.
علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، حذر من أن أية جهة داخل المنطقة أو خارجها تسعى لإحياء مشروع مماثل ستواجه رداً إيرانياً صارماً، مؤكداً أن إيران لن تسمح بإنشاء ممر في المنطقة يهدد سيادتها أو استقرارها.
بدورها أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في عدة مناسبات أن أي تغيير في الطرق والممرات لا يجب أن يمسّ “سلامة أراضي الدول والحدود المعترف بها” أو يؤثر على الجغرافيا السياسية في المنطقة.
وقد شدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعیل بقائي، على دعم إيران لتوسيع التعاون الإقليمي، لكن “ضمن حدود تحترم السيادة والأمن القومي”.
أبعاد جيوسياسية أوسع
هذه الاتفاقية لا تمثل فقط نهاية نزاع طويل في جنوب القوقاز، بل تشكل بداية لهيكلة جيوسياسية جديدة تعزز النفوذ الأميركي في المنطقة وتقلص الدور الروسي والإيراني، كما تفتح آفاقاً واسعة في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا في منطقة حيوية تقع على تقاطع مصالح إيران وتركيا وروسيا.
وقد ربطت وكالات أنباء مثل “رويترز” هذه الاتفاقية بمحاولة واشنطن دمج أذربيجان في “اتفاقيات إبراهيم” التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول المسلمة، وهو ما يمكن أن يعقد العلاقة بين طهران وباكو بسبب الروابط الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل.
تجدر الإشارة إلى أن الاجتماع في البيت الأبيض يأتي بعد جهود أميركية استمرت عدة أشهر لحل النزاع المستمر في القوقاز الجنوبي. وفي الشهر الماضي، التقى قادة أذربيجان وأرمينيا في الإمارات العربية المتحدة، لكن لم يُعلن عن نتائج اللقاء.
وترى باكو أن مشروع ممر زنغزور هو مسار استراتيجي يربط أراضي أذربيجان مع جمهورية نخجوان ذات الحكم الذاتي ويؤدي إلى تركيا، ويمر عبر إقليم سيونيك في جنوب أرمينيا، بمحاذاة الحدود مع إيران، ما يجعل هذا المشروع محط توتر جيوسياسي إقليمي حساس.