رواية “باب الخروج” للدكتور عز الدين شكري فشير، التي نُشرت عام 2012، هي عمل روائي سياسي استشرافي بالغ الجرأة، تستعرض مستقبل مصر من خلال يوميات يكتبها أحد السفراء عشية سقوط النظام في عام 2023. تنتمي الرواية إلى أدب الديستوبيا (الواقع المتدهور)، وتجمع بين السياسة والفكر والتاريخ، وتتناول مرحلة ما بعد الثورة في مصر، حيث ينحرف الحلم الثوري إلى كابوس.
الفكرة العامة:
الرواية تصور مصر وقد انزلقت إلى حافة الهاوية بعد الثورة، حيث يُخفق الثوار في تحقيق أهدافهم، ويعود النظام القمعي بصيغ جديدة. يحكي الراوي، وهو سفير مصري سابق، عن التجربة الثورية وتداعياتها، ويكتب يومياته في عام 2023 وهو يستعد للهرب من البلاد، عبر “باب الخروج”.
أهم المحاور والأفكار:
- فشل الثورة واستغلالها
استُغل الحراك الشعبي من قِبَل جماعات دينية وعسكرية، وتحولت الثورة إلى صراع على السلطة لا على المبادئ.
- انهيار الحلم
آمال الشباب في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية تلاشت أمام تغوّل الأجهزة الأمنية وتحالفات المصالح.
- الدولة البوليسية
تعود القبضة الأمنية بشكل أشد، مستخدمة أحدث أدوات المراقبة والقمع، مما يجعل الحياة لا تُطاق.
- صراع الهوية والانتماء
يُطرح سؤال: لمن تنتمي مصر؟ للثوار؟ للعسكر؟ للدين؟ للغرب؟ ويتجلى الصراع على مستويات سياسية وثقافية ونفسية.
- الخوف والتخاذل
يخوض الراوي صراعًا داخليًا بين ضميره المهني والوطني، وبين خوفه ورغبته في النجاة، مما يعكس حال كثير من المصريين.
- باب الخروج رمزياً
الباب ليس فقط وسيلة للهروب الجغرافي، بل هو رمز للخلاص من الاستبداد، وربما من الذات العاجزة.
الأسلوب والبناء:
شكل الرواية:
على هيئة يوميات كتبها السفير خلال الأيام الأخيرة قبل مغادرته، مما يعطي الرواية طابعًا اعترافيًا، وتأمليًا، وشديد الخصوصية.
اللغة:
سلسة ولكن عميقة، تُوظف السخرية السوداء أحيانًا، والمونولوج الداخلي، والتوصيفات السياسية والثقافية المركبة.
اقتباسات معبرة:
“الثورات ليست نهايات، بل بدايات محفوفة بالفوضى… وحده النضج ينقذها من التحوّل إلى كوابيس.”
“في مصر، من يُطالب بالحرية يُصبح مشروع جثة، أو مُخبرًا، أو لاجئًا.”
الخلاصة:
رواية باب الخروج ليست مجرد حكاية خيالية عن المستقبل، بل تحذير ناعم وصادم من المسارات التي قد تسلكها المجتمعات بعد الثورات. ترسم الرواية صورة قاتمة لكنها واقعية، وتدعو القارئ إلى التفكير العميق في معنى التغيير، ومسؤولية الأفراد، وسلطة المؤسسات.
هي دعوة للتأمل في سؤال: هل كان الباب خروجًا من القمع… أم هروبًا من المسؤولية؟
رواية “باب الخروج” لعز الدين شكري فشير، كُتبت عام 2012، لكنها تضمّنت توقعات صادمة واستشرافًا دقيقًا لما آلت إليه الأمور في مصر والمنطقة بعد ثورات الربيع العربي. بعض هذه التوقعات تحققت جزئيًا أو كليًا، مما أكسب الرواية طابعًا نبوئيًا.
أبرز التوقعات التي جاءت في الرواية:
1. عودة النظام القمعي بوجه جديد
الرواية توقعت أن الثورة ستُجهض، وسرعان ما يعود النظام الأمني بوسائل أكثر تطورًا في الرقابة والقمع، لكن بواجهة “ديمقراطية”.
تحقق ذلك جزئيًا مع عودة القبضة الأمنية، وتراجع الحريات بعد فورة الثورة.
2. فشل النخب السياسية في التغيير الحقيقي
أشارت الرواية إلى أن النخب، سواء الليبرالية أو الإسلامية، ستفشل في تقديم مشروع وطني جامع، وسينشغلون بصراعاتهم الخاصة.
هذا تجلّى في صراع القوى بعد الثورة، وخصوصًا بين التيارات الإسلامية والعلمانية.
3. عسكرة الدولة ومركزية الجيش
توقعت الرواية أن الجيش سيعود إلى الحكم، ويتحوّل إلى سلطة فوق الدولة، متحكّمة في مفاصل القرار.
وهو ما حدث فعليًا بعد 2013، حيث عاد الجيش لواجهة السياسة والاقتصاد.
4. التجسس والرقابة التكنولوجية
صوّرت الرواية دولة تراقب مواطنيها تكنولوجيًا وتخترق خصوصياتهم، وتحاصرهم نفسيًا ومجتمعيًا.
باتت الرقابة الرقمية واقعًا عالميًا، وموجودًا أيضًا في السياق المصري.
5. الهجرة والانفصال عن الوطن
الكاتب تنبأ بأن كثيرًا من المصريين، وخصوصًا الشباب والمثقفين، سيصلون إلى قناعة بأن “الخروج من البلد” هو الحل.
الهجرة زادت فعلًا، واليأس من الإصلاح أصبح واسع الانتشار بين الشباب.
6. انهيار الطبقة الوسطى وتفاقم الأزمة الاقتصادية
أشار السفير في يومياته إلى اختفاء الطبقة الوسطى تحت ضغط الغلاء والفساد وتآكل فرص العيش الكريم.
التدهور الاقتصادي المتزايد وموجات التضخم خلال السنوات الأخيرة أثبتت ذلك.
7. سقوط أوهام الثورة دون سقوط حلم التغيير
مع أن الرواية قاتمة، لكنها لم تسخر من الثورة، بل صورتها كحلم نقي تم استغلاله، وأكدت أن جذوة الأمل لا تموت.
هذا الجانب لا يزال مفتوحًا على المستقبل.
عز الدين شكري فشير لم يكن يتنبأ بمستقبل غيبي، بل استخدم أدوات تحليل سياسي وثقافي ليرسم سيناريوهات محتملة، وكان كثير منها أقرب إلى الواقع مما توقعه البعض.
“باب الخروج” ليست فقط رواية، بل مرآة لما كان، وتحذير لما قد يكون.
المؤلف
د. عز الدين شكري فشير هو روائي ودبلوماسي وأكاديمي مصري بارز،
وُلد عام 1966.
يتميز بمسيرة متعددة الأوجه تجمع بين العمل السياسي والفكري والأدبي، وقد ذاع صيته خاصة بعد ثورة يناير 2011 لما تحمله رواياته من رؤى استشرافية ونقد اجتماعي عميق.
النشأة والتعليم:
وُلد فشير في مصر، ونشأ في بيئة ثقافية متعددة. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة القاهرة، ثم تابع دراسته العليا في جامعة أوتاوا بكندا، ومنها إلى جامعة مونتريال، وأخيرًا نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة مونتريال.
الحياة المهنية:
عمل دبلوماسيًا في وزارة الخارجية المصرية، وشارك في عدة بعثات دبلوماسية بالأمم المتحدة والسودان وبلجيكا وغيرها.
تقلّد مهامًا استشارية وأكاديمية في مؤسسات دولية، مثل الأمم المتحدة.
شغل منصب أستاذ زائر في كلية دارتموث (Dartmouth College) الأمريكية، حيث درّس العلاقات الدولية والسياسات المقارنة والشرق الأوسط.
له مساهمات كمحلل سياسي في عدد من وسائل الإعلام الدولية.
الإنتاج الأدبي:
تميّز فشير بأسلوب أدبي يمزج بين الواقعية السياسية والرؤية الفلسفية، مع قدرة على استشراف المستقبل. من أشهر رواياته:
- “باب الخروج” (2012): رواية تنبؤية تصوّر مصر بعد ثورة يناير، وتتناول انهيار الدولة وصعود تيارات متطرفة.
- “في كل أسبوع يوم جمعة” (2009): رواية عن العزلة والقتل والعلاقات الإنسانية، وقد تحوّلت إلى مسلسل تلفزيوني.
- “عناق عند جسر بروكلين” (2011): عن الهوية والمنفى والحنين بين العرب في المهجر.
- “ابن القبطية” (2016): رحلة كشف عن جذور الشخصية المصرية من خلال قصة شاب يبحث عن هويته.
- “غرفة العناية المركزة” (2008): رواية تأملية سياسية ترصد حالة مصر في بداية الألفية الجديدة.
- “أيام النوافذ الزرقاء” (2009): رواية رمزية تحاكي أجواء التجسس والمراقبة.
سمات أدبه:
يمزج بين التحليل السياسي والسرد الروائي.
يستلهم من الواقع المصري والعربي ويصوّره بطريقة تُفكّك السلطة والمجتمع.
يُعرف بأنه كاتب ما بعد الثورة، وقد عبّر عن صراع الهوية والحرية والانتماء.
الجوائز والتأثير:
وصلت بعض رواياته إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).
تُدرّس أعماله في أقسام الأدب والعلوم السياسية في عدد من الجامعات.
عز الدين شكري فشير هو نموذج فريد للمثقف العضوي الذي يمارس السياسة بالفكر، ويكتب الرواية بنبض الواقع.