في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الداخلية والخارجية لأداء الحكومة الإسرائيلية في حرب غزة، خرج زعيم المعارضة يائير لابيد بتصريحات وُصفت بأنها الأجرأ منذ بداية الحرب،
إذ حمّل الحكومة مسؤولية التدهور العسكري والإنساني، ودعا إلى وقف الحرب فورًا مقابل صفقة شاملة تعيد الأسرى وتُنقذ إسرائيل من مأزق استراتيجي يزداد تعقيدًا.
ويعكس حديث لابيد تصاعد الانقسام داخل المؤسسة السياسية والأمنية، وسط تحذيرات من عزلة دولية وفقدان الثقة بالقيادة.
دعوة واضحة لإنهاء الحرب: “يجب أن نكسب بالسياسة لا بالدم”
أكّد لابيد في تصريحاته أن الاستمرار في العمليات العسكرية دون خطة سياسية هو انتحار سياسي وأخلاقي، داعيًا إلى وقف إطلاق النار والدخول في صفقة تبادل شاملة.
وأوضح”إذا أوقفنا الحرب الآن، سنكسب مرتين: سنُعيد مختطفينا وسننهي حربًا لا تقودنا إلى أي مكان” وفق صحيفة “هآرتس” – النسخة العبرية، اليوم الثلاثاء.
“فشل استراتيجي”: الحكومة تقود البلاد إلى المجهول
وصف لابيد الحرب الجارية في غزة بأنها “كارثة مطلقة”، مؤكدًا أن الحكومة فقدت القدرة على إدارة العمليات:
وتابع “ما يحدث ليس نصرًا، بل فشل استراتيجي يقود إلى فشل عسكري وسياسي. كل يوم إضافي في هذه الحرب يزيد الوضع سوءًا” بحسب يديعوت أحرونوت.
إعادة احتلال متكرر دون حسم… وحماس لا تزال تقاتل
انتقد لابيد بشدة ما وصفه بـ”العبث العسكري”، قائلاً: “نحن نحتل خان يونس للمرة الرابعة، وجباليا للمرة الثالثة، وبعد كل مرة تعود حماس وتسيطر على الطرق والمنازل وتنتظر عودتنا”
ألون بن دافيد – محلل عسكري بالقناة 13 – أيّد هذه الرؤية: ويري “الجيش الإسرائيلي يعاني من استنزاف تكتيكي، دون استراتيجية خروج واضحة”(: القناة 13، برنامج همكور.
كارثة إنسانية وعزلة دبلوماسية تلوح في الأفق
حذّر لابيد من تداعيات استمرار الحرب على صورة إسرائيل دوليًا، مؤكدًا أن الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة قد تُغلق الأبواب أمام تل أبيب. وتابع “إذا لم نوقف الحرب الآن، ستتفاقم الكارثة الإنسانية وسيُغلق العالم أبوابه أمام الإسرائيليين”
عنات كورتس – الباحثة في معهد الأمن القومي INSS – أضافت:”استمرار الحرب يُضعف دعم الحلفاء ويهدد بعزلة دبلوماسية حقيقية”
قتلى الجيش يتزايدون… ولا خطة تبرر ذلك
أحد أخطر ما أشار إليه لابيد هو تزايد عدد القتلى من الجنود، دون أن تكون هناك نتائج ملموسة على الأرض. “الحكومة لم تعد تعرف كيف تفسر استمرار مقتل الجنود، وتُخفي عن الجمهور مدى الفوضى داخل غزة”
عاموس يدلين – رئيس الاستخبارات العسكرية السابق – علق: “غياب الأفق السياسي يُحول الخسائر البشرية إلى عبث، ويدمر المعنويات” وفق: صحيفة معاريف، 28 يوليو 2025
آراء وتحليلات: أزمة في القيادة… وحرب بلا بوصلة
عاموس هرئيل (هآرتس): “لابيد يترجم ما يُقال خلف الكواليس. لا استراتيجية ولا رؤية”.
كارميلة مناشيه (إذاعة الجيش): “الجيش يعيد احتلال نفس المواقع، بينما حماس تعيد التموضع”.
دان شيفتان (جامعة حيفا): “لابيد لا يُزايد، بل يقدّم خريطة طريق سياسية قابلة للتطبيق”.
بين حرب عبثية ومعارضة عقلانية
تُبرز تصريحات لابيد حجم الأزمة التي تعيشها إسرائيل على أكثر من جبهة. بينما تُصرّ الحكومة على الاستمرار في الحرب، تتصاعد الأصوات من الداخل السياسي والعسكري التي تُطالب بمراجعة المسار.
يرى مراقبون أن خطاب لابيد لا يعكس فقط معارضة سياسية، بل يُعبّر عن قلق استراتيجي حقيقي من استمرار حرب باتت تُهدد أمن إسرائيل ودورها الإقليمي والدولي.
تأثير تصريحات لابيد على الداخل الإسرائيلي
أثارت تصريحات يائير لابيد ردود فعل واسعة داخل الساحة السياسية والإعلامية الإسرائيلية، حيث اعتبرها كثيرون مرآة لصوت يتصاعد داخل المجتمع، سواء بين صفوف المعارضة أو حتى داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية. فبينما وصفتها أوساط يمينية بـ”انتهازية سياسية”،
رحّب بها قطاع واسع من الإعلاميين والنخب العسكرية السابقة، الذين يرون في خطابه تعبيرًا عن القلق الحقيقي من غياب استراتيجية واضحة للحرب.
كما بدأت تظهر بوادر انقسام في الرأي العام الإسرائيلي، إذ أظهرت استطلاعات رأي مبدئية ارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين يدعمون إنهاء الحرب والانتقال إلى تسوية سياسية، خاصة في ظل تصاعد أعداد القتلى من الجنود وفشل الحكومة في استعادة الرهائن حتى الآن.
ويرى محللون أن تصريحات لابيد قد تكون نقطة تحوّل في الخطاب السياسي الإسرائيلي، وربما تمهد لمطالبات أوسع بـ”محاسبة الحكومة” على أدائها، خصوصًا إذا استمرت الحرب دون تحقيق نتائج ملموسة.
كما قد تشكّل هذه التصريحات قاعدة لمرحلة سياسية جديدة، يكون فيها الخطاب العقلاني والمساءلة الديمقراطية أدوات ضغط حقيقية على حكومة نتنياهو المنهكة داخليًا وخارجيًا.
ردود فعل عربية ودولية على تصريحات لابيد
لقيت تصريحات يائير لابيد ترحيبًا حذرًا في عدد من العواصم العربية والدولية، حيث رأت فيها بعض الجهات إشارة نادرة إلى وعي سياسي داخل إسرائيل بخطورة استمرار الحرب على غزة دون أفق. في العالم العربي،
اعتبر مراقبون في وسائل إعلام خليجية ومصرية أن حديث لابيد يمثل اعترافًا صريحًا بفشل الحكومة الإسرائيلية عسكريًا وإنسانيًا، ويدل على تصدع داخلي قد يفتح الباب أمام ضغوط دولية لوقف القتال.
كما علقت مصادر في الجامعة العربية بأن مثل هذه التصريحات “تؤكد صحة التحذيرات المتكررة من أن الحل العسكري وحده لن يُعيد الأمن لإسرائيل أو الفلسطينيين”، مشددة على ضرورة تبني مسار سياسي جديد ينهي معاناة المدنيين في غزة.
دوليًا، رحبت بعض الجهات الأوروبية بما وصفته بـ”الواقعية السياسية” التي عبّر عنها لابيد، في حين دعت أطراف في الاتحاد الأوروبي إلى التقاط هذه الإشارات ودفع الطرف الإسرائيلي نحو قبول وقف فوري لإطلاق النار وتفاوض سياسي شامل.
وفي المقابل، امتنعت الولايات المتحدة عن التعليق المباشر، لكن مصادر دبلوماسية في واشنطن نقلت لوسائل إعلام عبرية أن تصريحات لابيد “تنسجم مع القلق الأميركي المتزايد من الاستنزاف الإسرائيلي في غزة”.
تدل هذه الردود على أن خطاب لابيد لم يُقرأ فقط كخلاف داخلي، بل كـ”نافذة محتملة” لحراك سياسي جديد قد يُغيّر المشهد، إذا ما تضافرت الضغوط الإقليمية والدولية بشكل متوازن..
من المتوقع أن تؤدي تصريحات لابيد إلى تصاعد الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو لإعادة تقييم مسار الحرب. كما قد تشجّع قوى دولية على الدفع نحو تسوية سياسية تستند إلى وقف إطلاق النار. داخليًا، يُحتمل أن تعزز مكانة لابيد كصوت بديل في الساحة السياسية الإسرائيلية المتأزمة.