{لا يذوقون فيها الموتَ إلا المَوْتة الأولى}..

د. نصر فحجان
يقول الله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم)..
الآية السابقة تتحدث عن المؤمنين في الجنَّة بعد يوم القيامة، حيث سيكونون في مأمَنٍ من الموت،
فلا يذوقون فيها موتًا جديدًا، إلا ما كان من موتٍ أوّلٍ قبل حياتهم الأولى.
ومعلومٌ أنَّ الموت هو حالة انفصال الروح عن الجسد، وعدم اتصالها به سواء كان هذا الموت قبل نفخ الروح في الجسد، أو بعد خروج الروح من الجسد.
والواضح أنّ أرواحنا كانت موجودة في الجنَّة قبل خلق أجسادنا كما نفهم من قوله تعالى: (لا يذوقون فيها)،
وهذه الحالة تسمى: (الموتة الأولى) لقوله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى)..
وقوله تعالى: (لا يذوقون فيها) أيْ لا يذوق المؤمنون في الجنَّة الموت، (إلا الموتة الأولى)،
أيْ إلا ما كان من موتٍ قبل نفخ أرواحهم في أجسادهم، حيث كانت أرواحهم مستقرة في الجنّة كما نفهم من قوله تعالى: (فيها)،
ولكنها كانت في حالة موت وانفصال عن أجسادهم التي خلقت لاحقًا..
والموت يكون مرتين..
والحياة تكون مرتين..
يقول الله تعالى: (قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين):
أما الموتان فهما:
1- الموت الأوّل: ويكون للأرواح قبل دخولها ونفخها في الأجساد عند خلقها وهي أجنّة في بطون الأمهات، حيث تكون في حالة موت لانفصالها عن الأجساد.
2- الموت الثاني: ويكون عند خروج الأرواح من الأجساد في نهاية الحياة الدنيا، أو كما نقول: في (نهاية العمر)،
حيث تنفصل الأرواح عن الأجساد فتكون في حالة موت.
وأما الحَياتان اللتان يحياهما البشر فهُما:
أولاً: حياةٌ أولى في الحياة الدنيا، وهي الحياة التي نحياها الآن، حيث تكون الأرواح في الأجساد.
ثانيَا: وحياةٌ ثانية تكون بعد البعث في الآخرة، يكون فيها المؤمنون في الجنَّة في حياة جديدة، حيث يرد الله الأرواح للأجساد.
ويبين الله تعالى هذا كله ببيان لا غموض فيه فيقول:
(وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم …)
وقوله تعالى:
(وكنتم أمواتًا): أيْ كنتم أمواتًا قبل خلق أجسادكم ونفخ الأرواح فيها، وهو المُراد بقوله تعالى: (الموتة الأولى)، كما نفهم من خلال النصوص السابقة.
وقوله تعالى: (فأحياكم): أيْ بنفخ الأرواح في أجسادكم وأنتم أجنّة في البطون، وهو المعروف بـ(الحياة الأولى)، وهو ما جاء صريحًا في الحديث الصحيح:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يُجمع أحدُكم في بطن أمه أربعين يومًا أو أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله،
ثم يبعث إليه الملك، فيؤْذَنُ بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح..)
صحيح البخاري 7454.
وقوله تعالى: (ثم يميتكم): أيْ يخرِج أرواحكم من أجسادكم عند نهاية أعماركم في الدنيا، وهذه مرحلة تسمى (الموتة الثانية).
وقوله تعالى: (ثم يحييكم): أيْ بإعادة الأرواح إلى أجسادكم يوم القيامة، وهي المرحلة الأخيرة وتسمى (الحياة الآخرة) ..
والله تعالى أعلى وأعلم