تقاريرسلايدر

لبنان لا يتحمل فراغين، في قصر بعبدا والبنك المركزي

مصطفى عبد السلام

تنفس لبنان الصعداء، اليوم الاثنين، بخروج رياض سلامة، محافظ مصرف لبنان المركزي، من منصبه ومغادرة المشهد المالي والمصرفي والاقتصادي بل والسياسي.

فالرجل، الذي ظل في منصبه 30 سنة، ويعد أقدم محافظ بنك مركزي في المنطقة العربية، مثل عبئا شديدا على الدولة اللبنانية خلال السنوات الأخيرة، واستمراره يعني زيادة الفاتورة الباهظة التي يمكن أن تتحملها البلاد في المستقبل، خاصة أن اسمه بات يرتبط بعمليات فساد وأزمات وكوارث مصرفية ومالية كبرى شهدتها الدولة في السنوات الأخيرة.

فهو مهندس الانهيار المالي في لبنان الذي وقع عام 2019 وأعقبه إعلان البلاد عن تعثرها المالي والتوقف عن سداد أعباء الديون الخارجية، وسياساته النقدية تسببت في إغراق الدولة في عجز مالي مزمن ووحل الديون وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي.

وهناك 7 دول أوروبية تلاحق رياض سلامة قضائياً بتهم فساد ترقى إلى الجرائم المالية الكبرى، منها تهريب الأموال إلى الخارج، وغسل الأموال القذرة، ونهب واختلاس المال العام، والإثراء غير المشروع، والتزوير والاحتيال واستغلال النفوذ والانتفاع من وظيفته وغيرها.

بل وهناك دول مثل ألمانيا طالبت القضاء اللبناني بتسليمه لمحاكمته على أراضيها عن تلك الجرائم وغيرها.

وقبل أسابيع أصدرت قاضية فرنسية مذكرة توقيف دولية بحق سلامة على خلفية دعوى قضائية رفعت ضده في فرنسا.

وفي عهد رياض سلامة، نجح نافذون في الدولة وشخصيات سياسية وقيادات أحزاب في تهريب مليارات الدولارات إلى الخارج، وللأسف، استمرت عملية التهريب عقب الانهيار المالي وعبر البنوك والوحدات المصرفية الخاضعة لرقابة مصرف لبنان.

كما استقبلت البنوك اللبنانية مليارات الدولارات من الأموال المنهوبة سواء من العراق أو سورية أو إيران والسودان وغيرها من الدول.

وخلال فترة حكم محافظ مصرف لبنان المنتهية ولايته، شهدت الليرة اللبنانية أكبر انهيار في تاريخها لم تشهده حتى في ذروة الحرب الأهلية في لبنان.

ومع هذا الانهيار الكارثي في العملة، انهارت الطبقة الوسطى في البلاد، وعرف الشارع مخاطر خطيرة منها تعمق ظاهرة “دولرة” الاقتصاد، وتفشي الفقر المدقع والجوع والسرقة والفوضى الأمنية.

وفي فترة رياض سلامة، وضعت البنوك يدها على أموال المودعين، وأصبح استرداد مدخر لأمواله المحبوسة يتم بالقوة وعبر حمل سلاح واقتحام البنك الرافض الإفراج عن مدخراته.

وعلى مدى 3 عقود، كان اللبنانيون ينظرون إلى رياض سلامة باعتباره مهندس الإصلاحات المالية والنقدية، ومدير خطة إعادة القوة للعملة الوطنية مقابل الدولار، وتقوية القطاع المصرفي وحمايته من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والسرقة والنهب.

فإذا بالشعب يصحو على كوارث مالية متلاحقة في غضون أسابيع من أبرز ملامحها، تكبد القطاع المصرفي خسائر تتجاوز 130 مليار دولار، وانهيار الاحتياطي الأجنبي لدى مصرف لبنان، وعدم قدرة الدولة على تمويل واردات السلع الأساسية ومنها القمح والسلع الغذائية والوقود والأدوية، بل وإفلاس الدولة والتوقف عن سداد مستحقات أصحاب السندات الدولية.

خروج رياض سلامة، “الصندوق الأسود كما يطلق عليه”، من المشهد اللبناني سيعطي الدولة فرصة لالتقاط أنفاسها، وإعادة ترتيب الأوراق المبعثرة في كل مكان، وفتح ثغرة في جدار المفاوضات الصلب والشائك مع صندوق النقد والمؤسسات الدولية، وإقرار قوانين معطلة منذ سنوات وتستهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالي.

لبنان طوى صفحة محافظ البنك المركزي المثير للجدل، والمهم هو أن يجرى سريعاً اختيار بديل لرياض سلامة، وألا تعطل المحاصصة الطائفية والخلافات الحكومية عملية الاختيار، وألا يتكرر سيناريو الفراغ الرئاسي الحالي. فلبنان لا يتحمل فراغين في وقت واحد، الأول في قصر بعبدا والثاني في مصرف لبنان.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى