“لماذا تصمت الحملان؟”
تأليف: راينر ماوسفيلد
في كتابه الصادم بعنوانه العميق والدال “لماذا تصمت الحملان؟”، يقدّم المفكر الألماني راينر ماوسفيلد تحليلًا نقديًا بالغ الأهمية لوهم الديمقراطية الحديثة وهيمنة النيوليبرالية على الفكر والسياسة والمجتمع.
الكتاب الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الفكرية الأوروبية، يستعرض كيف تُدار المجتمعات اليوم بأساليب السيطرة الناعمة، وتُجرّد الشعوب من قدرتها على الفعل والتأثير السياسي.
النيوليبرالية والديمقراطية المزيفة
يناقش ماوسفيلد كيف تحوّلت الديمقراطية من أداة تمثيل حقيقية إلى واجهة رمزية تُخفي خلفها سلطة نُخبوية ضيقة تتحكم في مفاصل الإعلام والتعليم والسياسة. ويذهب إلى أن النيوليبرالية – بوصفها عقيدة اقتصادية واجتماعية – روّضت الوعي الجماعي، وجعلت الناس يتقبلون الظلم والتفاوت الاجتماعي وكأنه “واقع طبيعي” لا يمكن تغييره.
الفصول الأبرز في الكتاب:
كيف يتم إسكات الحملان؟
يشرح الكيفية التي يتم بها نزع الصوت من الشعوب عبر الإعلام والتعليم الموجّه، وتحويلهم إلى مستهلكين بدلًا من مواطنين فاعلين.
الديمقراطية الشكلية:
تحليل للفجوة بين الشكل الديمقراطي والواقع السياسي الموجه من قبل النخب الاقتصادية.
النيوليبرالية كدين جديد:
يكشف كيف تحوّلت الليبرالية الجديدة إلى منظومة مغلقة تبرر كل ما يخدم السوق والربح، على حساب الإنسان والمجتمع.
التطبيع مع الظلم:
يناقش كيف يتم ترسيخ القبول الجماعي للظلم واللامساواة، من خلال سلب الثقة في جدوى التغيير.
الحريات المصادرة باسم الحرية:
قراءة نقدية لسياسات المراقبة وتقنين الحريات بحجة الأمن أو التنظيم، مما يؤدي إلى عسكرة الحياة العامة.
من أبرز مقولات المؤلف:
“الناس لا يصمتون لأنهم لا يعرفون، بل لأنهم خُدّروا ثقافيًا حتى لا يعترضوا.”
“من لا يملك أدوات تشكيل الرأي، سيتحوّل إلى متلقٍ سلبي لرأي غيره.”
“النيوليبرالية لا تحتاج إلى القمع العنيف، بل تعتمد على التطبيع النفسي للهيمنة.”
الرمزية في العنوان:
العنوان “لماذا تصمت الحملان؟” يحمل دلالة رمزية قوية، فالحملان تمثل الشعوب المستضعفة، أما الصمت فيعبّر عن حالة الخضوع الجماعي الذي لا ينشأ عن جهل، بل عن ترويض متواصل للوعي، حتى يفقد الناس إحساسهم بقدرتهم على التغيير.
عن المؤلف:
راينر ماوسفيلد أستاذ علم النفس والإدراك بجامعة كيل الألمانية. تخصّص في علوم الإدراك البصري، وامتد اهتمامه لاحقًا إلى نقد النظام النيوليبرالي وآليات الهيمنة على الرأي العام. عُرف بمواقفه الفكرية المناهضة للديمقراطية الشكلية والسلطة النخبوية، وله عدة محاضرات وكتابات مؤثرة في هذا المجال.
“لماذا تصمت الحملان؟” ليس مجرد كتاب فكري، بل صرخة ضمير في وجه آلة الصمت والتطبيع مع الاستبداد المقنع. إنه دعوة لاستعادة الوعي، ورفض القفص الذهبي الذي نعيش فيه باسم “الحرية”.
أهمية الكتاب للقارئ العربي:
في ظل ما تشهده المنطقة العربية من تحولات سياسية واقتصادية، وتحديات تمس جوهر الحريات والمشاركة الشعبية، يكتسب كتاب “لماذا تصمت الحملان؟” أهمية خاصة للقارئ العربي. فهو لا يُقدم فقط تشخيصًا دقيقًا لحالة الغرب، بل يكشف كذلك عن آليات السيطرة العالمية التي لا تتوقف عند الحدود، بل تُمارس عبر الإعلام، التعليم، والمنصات الرقمية على نطاق واسع، بما في ذلك العالم العربي.
إنه كتاب يُحفّز على التفكير النقدي، ويمنح القارئ أدوات لفهم كيف تُشكّل وعيه، ولماذا يشعر أحيانًا بالعجز أو اللامبالاة. وهو بذلك مرآة حادة لأعماق واقعنا، ودعوة لفكّ الصمت والتفكير خارج الأطر الجاهزة.