مرة أخرى، يكشف هجوم مسلح على مؤسسة سيادية في العاصمة الليبية طرابلس عن عمق الأزمة التي تعيشها البلاد، حيث تتقاسم المجموعات المسلحة النفوذ مع دولة عاجزة. ورغم إدانة “المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان” للاعتداء الذي استهدف مقر وزارة الشباب يوم الاثنين ووصفه بـ”العمل الإجرامي”، إلا أن الصمت الرسمي من قبل حكومة “الوحدة الوطنية” المؤقتة يعكس حقيقة مقلقة: السلطة الفعلية في العاصمة لا تزال في أيدي من يحمل السلاح.
هذا الحادث ليس معزولاً، بل يندرج ضمن نمط متكرر من الفوضى الأمنية التي تحكم طرابلس. فالهجوم يضاف إلى سلسلة من الاعتداءات السابقة، كهجوم مايو الماضي على مصرف ليبيا المركزي، والذي اتُهمت فيه مجموعة مسلحة تابعة للحكومة نفسها باقتحام المقر.
أرقام تكشف الواقع:
لفهم حجم الأزمة، تشير البيانات إلى أن ليبيا تعد واحدة من أكثر دول العالم تسلحاً خارج سيطرة الدولة.
- انتشار السلاح: تقدر منظمات دولية مثل “Small Arms Survey” أن هناك ملايين القطع من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة منتشرة في أنحاء البلاد منذ عام 2011، مما يغذي نفوذ الميليشيات.
- فوضى أمنية: وفقاً لـ “مؤشر السلام العالمي” لعام 2024، تواصل ليبيا احتلال مرتبة متدنية للغاية (ضمن قائمة الدول الأقل سلمية في العالم)، مما يعكس حالة عدم الاستقرار وغياب سيادة القانون.
- خطر متواصل: المشهد لا يقتصر على الهجمات المباشرة. فقد أعلنت وزارة الداخلية مؤخراً عن تفكيك قذائف وصواريخ غير منفجرة في مناطق سكنية بطرابلس، وهي جزء صغير من تركة الصراعات. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن مساحات شاسعة من ليبيا، خاصة حول طرابلس، لا تزال ملوثة بالذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب، مما يشكل تهديداً يومياً لحياة المدنيين.
إن مطالبة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان للنائب العام بفتح تحقيق شامل في هجوم وزارة الشباب، وإن كانت خطوة ضرورية، إلا أنها تصطدم بواقع تكون فيه المجموعات المسلحة غالباً أقوى من أجهزة إنفاذ القانون. فبدون عملية نزع سلاح حقيقية وتفكيك لهذه الميليشيات ودمج أفرادها في مؤسسات الدولة بشكل فعال، ستبقى الهجمات على مقرات الدولة مشهداً مألوفاً، ويبقى صمت السلطات هو الرد الوحيد الممكن في وجه القوة القاهرة.