تقاريرسلايدر

ماذا لو رفضت مصر وبنما طلب ترامب؟

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً دوليًا واسعًا بتصريحه المفاجئ بضرورة السماح للسفن الأمريكية بالعبور المجاني عبر قناتي بنما والسويس، مستندًا إلى ما وصفه بـ”الدور التاريخي” لبلاده في إنشاء القناتين. وفي ظل ترقب العالم لمواقف الدول المعنية، يطرح تساؤل بالغ الأهمية نفسه: ماذا لو رفضت مصر وبنما هذا الطلب؟

أولاً: خلفية المشهد

في 26 أبريل 2025، عبر منصة “تروث سوشيال”، طالب ترامب بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناتي بنما والسويس، مبررًا ذلك بأن الولايات المتحدة ساهمت بصورة مباشرة في شق القناة البنمية، وأسهمت في حماية قناة السويس عسكريًا وسياسيًا عبر التاريخ.

  • قناة بنما: أنشأتها الولايات المتحدة عام 1914، وكانت تديرها حتى عام 1999 حين سلمتها إلى حكومة بنما.

  • قناة السويس: افتتحت عام 1869، وظلت تحت سيطرة مصر، مع احتلال بريطاني لفترة طويلة، ثم أممها الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1956.

كلا القناتين تُداران اليوم بسيادة وطنية كاملة، مع احترام اتفاقيات دولية تضمن حرية الملاحة مع بقاء حق الدولة المالكة في فرض الرسوم.

ثانيًا: ماذا يعني رفض الطلب؟

إذا رفضت بنما ومصر الطلب الأمريكي، فإن ذلك يحمل عدة رسائل واضحة:

  • تأكيد السيادة الوطنية: رفض أي تدخل أجنبي في القرارات المتعلقة بإدارة الممرات المائية.

  • حماية الاقتصاد الوطني: القناتان تمثلان مصادر دخل لا غنى عنها:

    • قناة السويس حققت في 2023 أكثر من 9.4 مليار دولار عائدات.

    • قناة بنما تُدرّ قرابة 2 مليار دولار سنويًا لخزينة بنما.

  • رفض سابقة خطيرة: الاستجابة لمثل هذا الطلب قد تفتح الباب لمطالبات أخرى من قوى دولية مختلفة.

ثالثًا: تداعيات الرفض على بنما

  • قد تواجه ضغوطًا أمريكية اقتصادية، مثل فرض رسوم إضافية على الصادرات البنمية أو تقليص المساعدات.

  • الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لبنما، ما يجعل الموقف حساسًا، رغم أن بنما تعتمد أيضًا على الحماية الدولية لاتفاقيات الملاحة.

  • بنما قد تلجأ إلى الدعم الدولي، خصوصًا من الدول الأوروبية ومنظمات مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.

رابعًا: تداعيات الرفض على مصر وقناة السويس

  • مصر أكثر قوة وصلابة:

    • قناة السويس ممر دولي ولكن يخضع للسيادة المصرية الكاملة، وفق اتفاقية القسطنطينية (1888)، التي تضمن المرور الحر للجميع مقابل رسوم عادلة.

    • أي إعفاء لدولة بعينها يخل بمبدأ المساواة، ويعرّض مصر لمطالب مماثلة من قوى عالمية أخرى.

  • مصر تعتمد بشكل جوهري على عائدات القناة في دعم الموازنة العامة.

  • من الناحية السياسية، الاستجابة لطلب ترامب قد تفسر داخليًا وخارجيًا كهزة للسيادة الوطنية، وهو ما ترفضه القاهرة بشدة.

خامسًا: الموقف الأمريكي المتوقع

  • في حال الرفض، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تصعيد دبلوماسي محدود، دون اللجوء إلى مواجهات مباشرة.

  • قد تحاول واشنطن استغلال نفوذها داخل المنظمات الدولية للضغط على بنما، لكن تأثيرها على مصر سيكون محدودًا بسبب تعقيد المشهد الدولي ومكانة قناة السويس بالنسبة لحركة التجارة العالمية (أكثر من 12% من التجارة العالمية تمر عبرها).

  • مع ذلك، قد تستخدم واشنطن أوراقًا أخرى، مثل فرض عقوبات اقتصادية أو تقديم حوافز لدول أخرى لاستخدام ممرات بديلة، وإن كان ذلك مكلفًا وغير عملي في الوقت الحالي.

سادسًا: ردود الفعل الدولية المحتملة

  • الاتحاد الأوروبي: سيدعم مصر وبنما للحفاظ على استقرار طرق التجارة.

  • الصين والهند: ستقفان ضد أي إجراءات أمريكية من شأنها تهديد حرية الملاحة، نظرًا لاعتمادهما الكبير على القناتين.

  • روسيا: ستستغل الموقف لتعزيز خطابها ضد “الهيمنة الأمريكية” وربما تقدم دعمًا رمزيًا للدولتين.

سابعًا: السيناريوهات المحتملة

السيناريوالتقييم
استمرار الوضع الحالي بعد الرفضالأكثر ترجيحًا
تصعيد دبلوماسي أمريكي متوسطممكن ولكن محدود التأثير
محاولات أمريكية لاستخدام ممرات بديلةصعبة ومكلفة اقتصاديًا
تدخل المنظمات الدولية لحماية حرية الملاحةمرجح في حال حدوث تصعيد كبير

إن رفض مصر وبنما طلب ترامب بالمرور المجاني عبر قناتي السويس وبنما لا يمثل فقط دفاعًا عن العائدات الاقتصادية، بل يؤكد قبل كل شيء الحق السيادي للدول في إدارة مقدراتها الوطنية.
وبينما قد تسعى واشنطن لممارسة بعض الضغوط، فإن توازنات النظام الدولي اليوم، والتداخل الشديد لمصالح القوى الكبرى، تجعل من الصعب فرض تغييرات أحادية الجانب على واقع راسخ منذ عقود.

إن السيادة لا تُساوَم، والممرات الدولية ليست ورقة ضغط في سوق السياسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى