ماذا يعني ارتفاع مبيعات السلاح الصيني لدول المنطقة ؟وهؤلاء في المقدمة

وفقا لمعهد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام سيبيري المتخصص في رصد تجارة السلاح حول العالم، ارتفع اجمالي صادرات السلاح الصينية لمنطقة الشرق الأوسط خلال العقد الماضي من 398 مليون دولار عام 2010 إلى 43.16مليار دولار عام 2023، وهي زيادة تقدر بنحو 87.4 ٪.
وبحسب دراسة لمركز أمد للدراسات السياسية فإن هذه الزيادة الكبيرة في مبيعات الأسلحة الصينية تؤكد على تعقد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط وتغير الديناميكيات الجيوسياسية والتحالفات جراء تنامي المخاوف الأمنية الإقليمية.
و يمثل هذا الأرتفاع في مبيعات السلاح الصينية لدول المنطقة 13.7٪ من اجمالي مبيعات الصين لنفس الفترة التي بلغت 23 مليار دولار.

وقد احتلت الجزائر موقع أعلى مستورد للسلاح الصيني خلال العقد الماضي بقيمة بلغت 1.2 مليار دولار بين عامي 2010 و2023 بنسبة بلغت 38.5 ٪ من اجمالي مبيعات السلاح الصيني لمنطقة الشرق الأوسط،
ثم جاءت المغرب في المركز الثاني بقيمة 486 مليون دولار من نفس الفترة بنسبة بلغت 15.4٪ ، فيما جاءت السعودية ثالثا بقيمة 366 مليون دولار بنسبة 11.6٪.
وبحسب دراسة أمد تسعى دول الشرق الأوسط، التي تعتمد تقليديًا على أمريكا والموردين العسكريين الغربيين، بشكل متزايد إلى تنويع مصادر أسلحتها.
الأسلحة الصينية في الشرق الأوسط
ويعود هذا التحول إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك عدم الرضا عن وتيرة وشروط مبيعات الأسلحة الأمريكية، وخاصة بعد أن فرضت الولايات المتحدة قيودًا على بعض الصادرات العسكرية.
وقد ظهر ذلك بشكل واضح خلال حرب اليمن عندما عُطِلَت العديد من صفقات السلاح الأمريكي الموجهة إلى السعودية والإمارات في أوائل عام 2021 مع قدوم بايدن على رأس السلطة في أمريكا وذلك بسبب “المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن” بحسب ما جاء في تقارير.

وتعتمد السعودية بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاتها العسكرية، حيث يأتي ما يقرب من 78٪ من وارداتها من الأسلحة من الولايات المتحدة، وذلك بين عامي 2018 و2022، وهو ما يؤكد على اعتماد جذري واستراتيجي.
لكن كان القرار الأمريكي بتقليل حجم الصادرات الدفاعية للسعودية أثر في إعادة تعريف العلاقات بين البلدين، وقد ظهرت توترات بين الإدارتين في مسألة خفض إنتاج النفط مما ساهم في ارتفاع أسعار الطاقة عالميا وأثر بشكل سلبي على الاقتصاد الأمريكي.
ونتيجة لذلك، لجأت السعودية والإمارات إلى الصين للحصول على معدات عسكرية متقدمة دون شروط وبسهولة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة الصواريخ.
ويتميز المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بارتفاع التوترات والصراعات، مما يدفع الدول إلى تعزيز استعدادها العسكري.
وتدخل الصين بتموضع حذر واستراتيجي داخل تلك التوترات، وقد تبلور ذلك في وساطتها الناجحة حتى الآن بين السعودية وايران، وكذلك محاولتها قيادة وساطة بين الفصائل الفلسطينية تحت “إعلان بكين“، ويعتبر ذلك مؤشر على تنامي الحضور الصيني سياسيا في الشرق الأوسط.

فيما تأتي مبيعات الأسلحة المتزايدة للصين جزءًا من استراتيجيتها الأوسع لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
من خلال توفير المعدات العسكرية مع قيود أقل وأوقات تسليم أسرع مقارنة بالموردين الغربيين، لتضع الصين نفسها كبديل جذاب للدول التي تتطلع إلى تعزيز قدراتها العسكرية دون القيود السياسية المرتبطة غالبًا بصفقات الأسلحة الأمريكية والأوروبية.
وتساهم تلك السياسات في تعزيز نفوذ الصين بالمنطقة ضمن “مبادرة الحزام والطريق”، التي تسعى إلى توسيع بصمتها الاقتصادية والاستراتيجية عالميًا حيث تقع منطقة الشرق الأوسط كحلقة وصل محورية.
الخزام والطريق
وقد تركزت الصادرات العسكرية الصينية على الأسلحة الاستراتيجية بلغ نسبة السفن الحربية نحو 27٪ من اجمالي صادراتها بقيمة 867 مليون دولار بين عامي 2010 و2023، و25٪ في مجال الطيار الحربي بقيمة 806 مليون دولار لنفس الفترة، و18٪ الصواريخ بقيمة 579 مليون دولار، و12٪ المركبات، و6.3٪ منظومة الدفاع الجوي 199 مليون دولار.
وبالرغم من النمو السريع لم تشترِ أي دولة في الشرق الأوسط أنظمة دفاع جوي صينية متطورة مثل HQ-22، أو النسخة الصينية من نظام S-300 الروسي. وسبق أن اهتمت تركيا عام 2013 في شراء HQ-9 الصيني وهو نظام الدفاع الجوي المشتق من نظام S-300،
وقد دفع ذلك حلف الناتو إلى التحذير من مشكلات التوافق بين الأنظمة. لكن تركيا أقدمت على شراء نظام S-400 الروسي الأكثر تطورا، مما دفع الولايات المتحدة في النهاية إلى طرد تركيا من برنامج طائرات F-35.
وفي هذا السياق تتابع أمريكا بقلق دمج المعدات العسكرية الصينية في الشرق الأوسط مما قد يقوض البنية الأمنية القائمة التي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والدعم الأمريكي.
وقد أدى هذا الوضع إلى شعور بالإلحاح داخل الولايات المتحدة لتعزيز شراكاتها العسكرية وضمان بقاء حلفائها متوافقين مع أنظمة الدفاع الغربية.
ويعتبر الاستعراض الأخير الذي قامت به الصين عبر طائراتها المقاتلة المتقدمة J-10C وJ-31 في مصر بمثابة عرض لجميع دول الشرق الأوسط، وهي تهدف بذلك إلى إقامة شراكات دفاعية أوثق مع دول المنطقة.
وبلا شك قد تمارس أمريكا ضغوطا على دول الشرق الأوسط حتى لا تجعل من الصين لاعبا رئيسيا في المشهد الأمني في الشرق الأوسط، حيث تخشى من أن تملأ الصين انسحابها من بعض الدول، خاصة بعد نجاحها دبلوماسيا في ضم السعودية والإمارات والكويت والبحرين ومصر إلى منظمة شنغهاي للتعاون كشركاء حوار.
بينما مُنحت إيران العضوية الكاملة، بخلاف توقيع 30 صفقة بقيمة 10 مليار دولار خلال مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر عام 2023، وهو ما يعد تقدم دبلوماسي كبير وصفبــ”الانقلاب الدبلوماسي”.
ومع ذلك لا يزال تموضع الصين العسكري والأمني في الشرق الأوسط ضعيفا ومتواضعا بالمقارنة مع أمريكا ومنافسيها التقليديين، بالرغم من امتلاكها قاعدة عسكرية في جيبوتي بها 200 جندي مشاه بحرية وقادرة على استيعاب حاملات طائرات. وهو ما يجعل مصالحها الاستراتيجية مهددة ولا تمتلك القوة اللازمة لحمايتها.
الجزائر والسعودية وإيران
لذلك عند وضع التحركات السياسية الصينية في الملفات الحيوية في الشرق الأوسط مع ارتفاع إجمالي حجم صادراتها الدفاعية خلال العقد الماضي سنجد أنها تمثل بعدا استراتيجيا.
وهي تجعل من خطواتها السياسية والدفاعية عمقا في بناء علاقات قوية مع دول المنطقة مما سيساعد الصين على تحييد العديد من التهديدات الغربية أو على الأقل دفع دول الشرق الأوسط إلى عدم انتهاج سلوك سلبي ضد مصالحها.
لكن الأمر الذي قد يلعب دورا مؤثرا في الإقليم هو أن تفتح الصين علاقات مع التنظيمات والجماعات شبه العسكرية وعلى وجه الخصوص التي تمتلك أجندات مناهضة لأمريكا.
وقد أثار اكتشاف الأسلحة الصينية في أيدي حركة حماس، ناقوس الخطر، على الرغم من كونها أسلحة خفيفة كالبنادق الهجومية وقاذفات قنابل يرجح أنها حصلت عليها من وسطاء آخرين.
ومع ذلك تؤكد الصين رسميًا أنها لا تبيع الأسلحة إلى كيانات غير حكومية، وأنها تلتزم بضوابط صارمة في تصدير الأسلحة. وقد يكون الأخطر هو حصول جماعة الحوثي على أسلحة متقدمة بشكل غير مباشر عبر إيران مما يصنع ديناميات إقليمية معقدة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن