في ظل تزايد المطالبات الدولية بالتحرك الجاد تجاه إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عاد الجدل في الأوساط السياسية الفرنسية حول موقف باريس من الاعتراف بدولة فلسطينية. وتحت هذا العنوان، برزت تصريحات الدكتورة إعجاب خوري، مساعد عمدة باريس السابقة، والتي أكدت أن الرئيس إيمانويل ماكرون لم يتأخر عبثًا في اتخاذ هذا القرار، بل انتظر اللحظة السياسية المناسبة ذات الأثر الدبلوماسي الحقيقي.
جاء ذلك خلال حوارها في برنامج “قصارى القول” الذي يقدمه الإعلامي سلام مسافر على قناة RT عربية، حيث قالت خوري:
“ربما ماكرون كان ينتظر الظروف الدولية المناسبة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقراره – حين يتخذ – لن يكون مجرد موقف رمزي، بل خطوة دبلوماسية مهمة لاستئناف مفاوضات السلام”.
ونفت خوري أن يكون هذا التوجه مرتبطًا حصريًا بالمشاكل السياسية أو الاجتماعية في الداخل الفرنسي، موضحة أن:
“صحيح أن فرنسا تواجه تحديات اقتصادية، خصوصًا في إعداد ميزانية 2026، لكن قرار بهذا الحجم لا يُتخذ لصرف الأنظار داخليًا، بل لحسابات خارجية تتعلق بتوازنات أوروبا والشرق الأوسط”.
وحول سؤال الحدود، الذي يمثل العائق الأكبر في أي مفاوضات مستقبلية، شددت خوري على أهمية العودة إلى حدود الرابع من يونيو عام 1967، وهي الحدود التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي في عدة قرارات، أبرزها القرار 242، كمرجعية لأي تسوية نهائية.
وقالت:
“إذا أردنا اعترافًا فعليًا، فيجب أن يكون مقرونًا بتحديد واضح للحدود، وفتح قنوات حوار مباشرة بين الأطراف، فهناك نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية وحدها، والطرق مقسّمة، والعقبات تتزايد”.
وتابعت:
“الاعتراف وحده لا يكفي. يجب أن ترافقه خطوات عملية مثل تبادل السفراء، ودفع دول أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا لتعديل موقفها الحذر، وربما تمهيد الطريق لاعتراف أوروبي موحد”.
الجدير بالذكر أن فرنسا، على غرار دول أوروبية أخرى، دعمت في السنوات الأخيرة حل الدولتين من حيث الخطاب السياسي، لكنها لم تتخذ خطوة رسمية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، خلافًا لما قامت به دول مثل إسبانيا، أيرلندا، والنرويج في مايو 2024.
ورغم أن الرأي العام الفرنسي منقسم حول الملف، إلا أن استطلاعات للرأي أظهرت أن أكثر من 60% من الفرنسيين يؤيدون الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خاصة في ظل ما تشهده الأراضي المحتلة من تصعيدات إنسانية خطيرة، خصوصًا في غزة والضفة الغربية.
ما الذي يمكن أن تفعله باريس بعد الاعتراف؟
إن اتخاذ خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية من قبل فرنسا قد يحمل عدة دلالات سياسية:
دعم مسار السلام عبر حل الدولتين.
إرسال رسالة سياسية واضحة لإسرائيل بضرورة الالتزام بالشرعية الدولية.
التأثير على القرار الأوروبي الموحد لصالح الاعتراف الجماعي.
دفع الدول المترددة إلى اتخاذ مواقف أكثر شجاعة.
لكن هناك أيضًا عقبات جدية، أبرزها الموقف الإسرائيلي، الذي يرفض أي مشروع لدولة فلسطينية مستقلة بجوار إسرائيل، ويعمل على توسيع الاستيطان في مناطق يفترض أن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية.
كما أن الانقسام الفلسطيني الداخلي، بين السلطة في الضفة الغربية وحماس في غزة، يمثل عنصرًا معقّدًا يعوق أي اعتراف فعلي قد تترتب عليه مسؤوليات دولية، سواء في ملف الأمن أو التمثيل الدبلوماسي أو المفاوضات النهائية.
تدرك باريس أن خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد تغير موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي، وتفتح المجال أمام تحركات دبلوماسية جديدة لإنهاء أطول صراع في المنطقة.
لكن هذه الخطوة، على أهميتها، لا تزال رهينة التوافق الدولي، والموقف الأميركي، والانقسام الفلسطيني – الإسرائيلي المعقد.
ويبقى السؤال الأبرز:
هل يتحول الاعتراف الفرنسي المرتقب إلى بداية حقيقية لدولة فلسطينية ذات سيادة وحدود معترف بها دوليًا، أم أنه سيكون مجرد ورقة جديدة على طاولة المفاوضات المؤجلة؟