تعتبر الطائفة الدرزية واحدة من أكثر الأقليات الدينية المنتشرة في عدة دول في منطقة الشرق الأوسط خاصة في سوريا ولبنان والأراضي المحتلة، وأكثرها تعقيدًا، حيث تتمتع بخصوصية دينية واجتماعية تجعلها تتعامل بحذر مع التغيرات السياسية والصراعات الإقليمية.
وقد تميزت هذه الطائفة عبر التاريخ بسعيها للحفاظ على هويتها واستقلاليتها في ظل ظروف سياسية معقدة ، في سوريا.
و يعيش الدروز في منطقة جبل الدروز (محافظة السويداء في سوريا)، وهي منطقة شهدت توترات كبيرة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011.
أما في إسرائيل، يتمتع الدروز بوضع خاص كأقلية معترف بها، حيث يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويتمتعون بعلاقة معقدة مع الدولة الصهوينية.
وفي سياق الصراع السوري المستمر برزت العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا، خاصة في ظل التداخل بين العوامل السياسية والدينية، الأمر الذي زاد من تعقيد العوامل التي تشكل هذه العلاقة، مثل الولاءات المتضاربة، والهوية الدرزية، والمصالح السياسية، و موقف الدروز في إسرائيل من إخوانهم في سوريا، ورغبة بعض الدروز السوريين في التطبيع مع إسرائيل.
دروز إسرائيل ودورهم في دعم دروز سوريا.
تمثل الطائفة الدرزية في إسرائيل جزءًا صغيرًا من السكان، حيث يبلغ عددهم حوالي 150,000 نسمة تقريبًا، يتركزون في مناطق مثل الجليل والكرمل، و منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، تم إدماج الدروز كمواطنين مع فرض الخدمة العسكرية عليهم.
وعلى الرغم من أن الدروز في إسرائيل يعتبرون أنفسهم جزءًا من المجتمع الإسرائيلي، إلا أنهم يحتفظون بهويتهم الدرزية المميزة، التي تربطهم بإخوانهم في سوريا ولبنان والأردن.
ومع اندلاع الصراع السوري، أبدى دروز إسرائيل اهتمامًا متزايدًا بمصير أبناء طائفتهم في سوريا، خاصة في مناطق مثل السويداء حيث يتركز الوجود الدرزي، و تعددت أشكال الدعم المقدم من دروز إسرائيل لدروز سوريا، فسعى العديد من دروز إسرائيل إلى تقديم دعم مالي لجماعات درزية في سوريا تواجه ظروفًا اقتصادية صعبة بسبب الصراع.
و تمثل هذا الدعم في تبرعات مالية ومساعدات غذائية وطبية، خصوصًا عندما واجهت السويداء حصارًا اقتصاديًا خانقًا.
كما قام بعض القادة الدروز داخل إسرائيل بالتعبير عن تضامنهم مع دروز سوريا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مع التركيز على حماية حقوقهم ورفع معاناتهم إلى المجتمع الدولي، كما ضغط بعضهم على الحكومة الإسرائيلية للتدخل دبلوماسيًا في دعم دروز سوريا، وهو ما تتخذه إسرائيل ذريعة للتدخل في الشئون السورية واحتلال أراض جديدة.
ورغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تتدخل عسكريًا لحماية دروز سوريا في السنوات الماضية، إلا أنها بدأت و بشكل مباشر بالتدخل عسكريا بزعم حماية الدروز، ولعل أخر التطورات التي شهدت قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لسرب الدبابات السورية التي كانت متوجهة للفصل بين اشتباكات الدروز وبين البدو في السويداء دليل على ذلك.
كما أن هناك تقارير تشير إلى أن بعض الشخصيات الدرزية في إسرائيل حاولت تقديم دعم غير مباشر لأبناء طائفتهم في سوريا عبر توفير معلومات استخباراتية أو التنسيق مع جهات دولية لضمان عدم استهدافهم.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يقوم بحماية الدروز في سوريا ضمن ما أطلق عليه ” تحالف الأخوة العميق”.
كما أطلق على الناحية الأخرى شيخ عقل الطائفة الموحدة في سوريا وهو أحد أكبر مشايخ الدروز، دعوة صريحة للتدخل الدولي من أجل حماية الدروز، في إشارة إلى إسرائيل، ودورها في توفير هذه الحماية لهم، فضلا عن نقض ماشيخ الدروز لكل الاتفاقات التي تم إبرامها مع النظام السوري الجديد بهدف الحفاظ على وحدة التراب السوري.
موقف دروز سوريا من الدعم الإسرائيلي
يمثل الدروز في سوريا أقلية مهمة تتمركز بشكل أساسي في محافظة السويداء، ويقدر عددهم بحوالي 700,000 نسمة، تعيش الطائفة الدرزية في سوريا في ظل ظروف صعبة نتيجة الحرب الأهلية التي دمرت البنية التحتية للبلاد وأدت إلى انهيار الأمن والاقتصاد، اذ يعيش معظم الدروز في محافظة السويداء، التي كانت تعتبر لفترة طويلة منطقة آمنة نسبيًا مقارنة ببقية المناطق السورية.
ومع ذلك، فإن التدهور الأمني وانتشار الجماعات المسلحة جعل الدروز يشعرون بتهديد تواجدهم كطائفة مدللة، خاصة مع تولي جبهة النصرة لمقاليد الحكم في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مما جعلهم يتخذون موقفًا محايدًا نسبيًا في الصراع السوري خلال مراحله الأولى، إلا أنهم سرعان ما بدأوا في تنظيم احتجاجات ومطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي يتخذونها ذريعة للطعن في النظام الجديد وطلب الحماية الدولية بعد افتعال بعض الأزمات الأخيرة في السويداء.
ومع الدعم الذي قدمه دروز إسرائيل، لإخوانهم في سوريا بدأ الدروز في سوريا بتغيير لغة خطابهم من الرفض لأي تدخل إسرائيلي خشية من أن يتم اتهامهم بالتواطؤ مع إسرائيل، إلى المطالبة بشكل صريح ومعلن بتدخل إسرائيل، مستغلين ضعف الدولة السورية، وعدم وجود جيش قوي في سوريا بعد أن قام جيش الاحتلال بضرب كل المطارات الحربية والأسطول البحري السوري عقل انهيار نظام بشار، فضلا عن ترهل الحالة الأمنية هناك.
في الوقت الذي كان يخشى فيه الدروز في الماضي من التعرض لأي مضايقات أمنية من قبل النظام.
لكن مع الدعم الإسرائيلي، وقبول دروز سوريا في السويداء للمساعدات المالية والإنسانية من دروز إسرائيل باعتبارها جزءًا من التضامن الطائفي، تحول الحال، حيث يرى البعض أن التعاون مع دروز إسرائيل ضروري للحفاظ على أمن الطائفة.
رغبة دروز سوريا في التطبيع مع إسرائيل.
تتباين الآراء حول رغبة دروز سوريا في التطبيع مع إسرائيل، اذ في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر بعض المؤشرات على أن الدروز في سوريا قد يكونون مستعدين للتفكير في التطبيع مع إسرائيل كخيار استراتيجي، هذه الفكرة تعكس إحباطًا متزايدًا من النظام السوري، الذي فشل في توفير الحماية الكافية للدروز، وكذلك من القوى الإقليمية الأخرى التي تدعم النظام أو المعارضة.
وبالرغم من وجود أصوات داخل السويداء تدعو إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل على أساس التضامن الطائفي، إلا أن أقلية ما زالت متحفظة إزاء هذه الفكرة بسبب ولائهم للدولة السورية، اذ يُعد دروز سوريا جزءًا من النسيج الاجتماعي السوري، وعلى الرغم من أن الدروز في سوريا يرون في إسرائيل قوة قادرة على توفير الأمن والاستقرار، خاصة في ظل العلاقات التاريخية بين الدروز وإسرائيل، فضلا عن ضعف الدولة السورية، ولكن هذه الفكرة تظل مثيرة للجدل، حيث أن التطبيع مع إسرائيل يعد موضوعًا حساسًا في العالم العربي، وقد يعرض الدروز في سوريا لانتقادات أو حتى اعتداءات من قبل الجماعات المسلحة.
مستقبل العلاقة بين الدروز في سوريا وإسرائيل.
تشير المعطيات السابقة إلى أن العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا لا تزال محكومة بتعقيدات سياسية واجتماعية تجعل من الصعب بناء جسر حقيقي بين الطرفين، ورغم محاولات بعض دروز إسرائيل تقديم الدعم لدروز سوريا، فإن هذا الدعم لا يرقى إلى مستوى التأثير السياسي الفعلي، أما مستقبل هذه العلاقة، فيعتمد بشكل كبير على تطورات الصراع السوري وموقف النظام السوري من الطائفة الدرزية، فضلا عن موقف دروز إسرائيل أنفسهم من مسألة التدخل في الشأن السوري، ومن المحتمل أن تظل العلاقة بين الطرفين محدودة ومحصورة، دون أن تصل إلى الولاء الكامل لإسرائيل حتى الآن، رغنم المطالبة بالتدخل الدولي.
و من المرجح أن تستمر العلاقة بين الدروز في سوريا وإسرائيل في التطور، خاصة في ظل التغيرات السياسية والأمنية في المنطقة، إذا استمر انهيار الدولة السورية، فقد يزداد عدد الدروز الذين يفكرون في التطبيع مع إسرائيل كخيار استراتيجي، ومع ذلك، فإن هذا التوجه سيواجه تحديات كبيرة، سواء من داخل المجتمع الدرزي أو من القوى الإقليمية.
بالنسبة للدروز في إسرائيل، فإنهم سيظلون في موقف صعب، حيث سيكون عليهم الموازنة بين ولائهم للدولة الإسرائيلية وعلاقتهم بإخوانهم في سوريا، و في النهاية، فإن مستقبل العلاقة بين الدروز في سوريا وإسرائيل سيعتمد إلى حد كبير على التطورات السياسية في المنطقة، وكذلك على قدرة الدروز على الحفاظ على هويتهم ووحدتهم في ظل هذه التحديات.
ومع ذلك، فإن أي تحولات جذرية في المشهد السياسي السوري، سواء عبر تسوية سياسية شاملة أو تغيرات في ميزان القوى الداخلي، قد تفتح المجال أمام إعادة صياغة العلاقة بين دروز سوريا ودروز إسرائيل في سياق جديد أكثر مرونة وأقل قيودًا.