يُعَدّ كتاب “ما هو التاريخ؟” من أهم الأعمال الفكرية التي أثارت نقاشاً واسعاً بين المؤرخين والمفكرين، إذ حاول صاحبه المؤرخ البريطاني إدوارد كار أن يجيب عن سؤال جوهري شغل الأذهان: هل التاريخ مجرد وقائع جامدة؟ أم أنه تفسير وفهم للوقائع من منظور الإنسان الذي يكتبها؟
هذا الكتاب ليس بحثاً أكاديمياً تقليدياً، بل هو محاولة فلسفية عميقة لإعادة تعريف التاريخ باعتباره علماً حيّاً يتفاعل مع الإنسان والواقع، لا مجرد سردٍ لأحداث الماضي.
فكرة ومضمون الكتاب
ينطلق كار من فكرة أن التاريخ ليس موضوعاً ثابتاً، بل عملية حوار مستمر بين الماضي والحاضر. فالتاريخ ليس الوقائع كما هي، بل هو تفسير المؤرخ لها، وما يختاره من أحداث يضعها في سياق محدد.
يرى كار أن المؤرخ لا يمكن أن يكون محايداً تماماً، فاختياراته متأثرة بثقافته وبيئته وزمنه، وبالتالي فالتاريخ “بناء إنساني” بقدر ما هو تسجيل للماضي.
يتناول الكتاب العلاقة الجدلية بين:
الوقائع التاريخية: ما حدث بالفعل.
التأويل التاريخي: ما يكتبه المؤرخ ويفسره.
الحاضر: حيث يُعيد كل جيل قراءة الماضي من منظوره الخاص.
فصول الكتاب
يتألف الكتاب من مجموعة محاضرات ألقاها كار في جامعة كامبريدج، وجُمعت لاحقاً في هذا العمل. أبرز محاوره:
1- المؤرخ والوقائع: كيف ينتقي المؤرخ الأحداث التي يستحق أن يسميها “تاريخاً”.
2- المجتمع والفرد: هل التاريخ يصنعه الأفراد العظام أم هو حصيلة ظروف اجتماعية واقتصادية؟
3- السببية في التاريخ: تحليل علاقة الأسباب بالنتائج، وهل يمكن أن يكون للتاريخ قوانين عامة.
4- التاريخ والتقدم: مناقشة لمسألة: هل للتاريخ غاية أو مسار تقدمي؟
5- التاريخ كعلم: هل يمكن اعتبار التاريخ علماً بالمعنى الدقيق، أم فناً تفسيرياً؟
أهم المقولات والأفكار
“الوقائع لا تتحدث من تلقاء نفسها، بل المؤرخ هو من يتحدث باسمها.”
“التاريخ حوار لا ينقطع بين الماضي والحاضر.”
“المؤرخ لا يكتب عن الماضي كما هو، بل كما يراه بعين عصره.”
“ليس هناك تاريخ محايد، فكل كتابة للتاريخ مشبعة بوجهة نظر.”
أهمية الكتاب
أهمية “ما هو التاريخ؟” تكمن في كونه مرجعاً أساسياً في فلسفة التاريخ، إذ أرسى وعياً جديداً حول طبيعة العلاقة بين الوقائع والمؤرخ. وهو كتاب يفتح باباً للنقاش أمام القارئ العربي حول كيفية قراءة الماضي بعيداً عن الجمود، ويشجع على النظر إلى التاريخ باعتباره أداة لفهم الحاضر وبناء المستقبل.
سيرة المؤلف
إدوارد هالِت كار (1892–1982)، مؤرخ ومفكر بريطاني بارز، شغل منصب أستاذ في جامعة كامبريدج، واشتهر بدراساته عن التاريخ السوفيتي والعلاقات الدولية. ترك وراءه عدداً من المؤلفات المهمة، لكن “ما هو التاريخ؟” ظل الأكثر تأثيراً وانتشاراً، ويُترجم إلى معظم لغات العالم.
الكتب العربية المشابهة
على الصعيد العربي، نجد أعمالاً قاربت هذا الطرح الفلسفي للتاريخ، مثل:
“فلسفة التاريخ” لابن خلدون (في مقدمته الشهيرة).
“دراسات في فلسفة التاريخ” لأحمد أمين.
“حول معنى التاريخ” لعثمان أمين.
هذه الكتب وإن اختلفت في الزمان والبيئة، إلا أنها تشترك مع كار في محاولة البحث عن مغزى التاريخ وطرائق تفسيره.
التاريخ
يبقى كتاب “ما هو التاريخ؟” واحداً من الأعمال التي لا غنى عنها لفهم جدلية الماضي والحاضر.
إنه دعوة إلى التفكير النقدي، وإلى التحرر من وهم أن التاريخ مجرد تسجيل جامد للأحداث.
بل هو مشروع إنساني متجدد، يعكس وعينا ورؤيتنا للعالم.