حذر عدد من أبرز المحامين في المملكة المتحدة من أن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية بشكل أحادي قد يشكل “انتهاكًا للقانون الدولي”، وذلك عقب إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نيته اتخاذ خطوات نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
وكان ستارمر قد صرّح، يوم الثلاثاء، أن حكومته ستتحرك باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال لم تلتزم إسرائيل بشروط محددة، من أبرزها التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل، وإحياء مفاوضات حل الدولتين المتعثر منذ سنوات.
وفي أعقاب هذا التصريح، أعلنت كندا نيتها اتخاذ خطوة مماثلة خلال قمة الأمم المتحدة المرتقبة في سبتمبر، وهي القمة التي تعترف فيها 147 دولة من أصل 193 عضوًا رسميًا بدولة فلسطين، وفقًا للأمم المتحدة.
لكن تحرك لندن المنتظر قوبل بانتقادات حادة من قبل أعضاء بارزين في مجلس اللوردات البريطاني، من بينهم عدد من كبار المحامين، والذين وجهوا رسالة رسمية إلى المدعي العام للحكومة البريطانية، اللورد هيرمر، يحذرون فيها من العواقب القانونية للاعتراف بفلسطين في هذا التوقيت.
في الرسالة الموقعة من قبل 43 عضوًا في مجلس اللوردات، أشار الموقعون إلى أن “فلسطين لا تستوفي الشروط القانونية الأربعة المنصوص عليها في اتفاق مونتفيديو لعام 1933″، والذي يُعد المرجع القانوني الرئيسي لتحديد معايير الدولة في القانون الدولي.
وبحسب الاتفاق، فإن الدولة المعترف بها يجب أن تملك:
إقليمًا محددًا
سكانًا دائمين
حكومة فعّالة
القدرة على الدخول في علاقات دولية مع الدول الأخرى
ويؤكد الموقعون أن فلسطين لا تملك حكومة موحدة وفعالة، نظرًا للصراع المستمر بين حركتي فتح وحماس، مشيرين إلى أن حماس تُصنف منظمة إرهابية من قبل المملكة المتحدة، بينما لم تُجرِ السلطة الفلسطينية أي انتخابات منذ نحو عقدين، ما يضعف شرعيتها.
كما أشارت الرسالة إلى أن “حدود الدولة الفلسطينية غير واضحة حتى الآن، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وغياب ترسيم نهائي للحدود”، معتبرة أن أي اعتراف في هذه الظروف سيُفسر على أنه “انحراف عن القانون الدولي القائم على أسس واضحة”.
من أبرز الموقعين على الرسالة: اللورد بانيك، المحامي الشهير الذي مثّل الحكومة البريطانية السابقة أمام المحكمة العليا في قضية ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، إضافة إلى اللورد كولينز من مابسبيري، القاضي السابق في المحكمة العليا.
هل الاعتراف غير قانوني بالفعل؟
في المقابل، يرى عدد من القانونيين الدوليين أن اتفاق مونتفيديو لا يُعد ملزمًا بشكل حرفي في حالات الاحتلال والنزاع، وأن الاعتراف بفلسطين لا يتناقض مع القانون الدولي، بل يمكن أن يُسهم في دفع عملية السلام.
يقول البروفيسور مارك هيلمز، أستاذ القانون الدولي في جامعة كينغز كوليدج لندن:
“الاتفاق يضع معايير مرجعية، لكنها ليست شروطًا جامدة، خاصة في حالات الاحتلال… هناك سوابق تاريخية للاعتراف بدول تحت الاحتلال أو في طور التكوين، مثل جنوب السودان وتيمور الشرقية”.
ويضيف:
“الاعتراف قد يكون خطوة سياسية مشروعة لتثبيت حل الدولتين، ووقف تغوّل الاحتلال، وليس بالضرورة خرقًا للقانون”.
حتى الآن، لم تصدر الحكومة البريطانية بيانًا رسميًا واضحًا يرد على رسالة اللوردات، لكن مصادر دبلوماسية تشير إلى أن الاعتراف المحتمل سيكون جزءًا من رؤية “أوسع” لإحياء مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، خاصة في ظل ازدياد الضغوط الأوروبية والدولية على إسرائيل.
ويُنظر إلى تحرك كير ستارمر على أنه محاولة لإعادة تموضع بريطانيا في السياسة الدولية بعد “البريكست”، عبر اتخاذ مواقف أكثر توازنًا في القضايا الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي.
تأثير دولي مرتقب… وواشنطن تراقب
يتزامن النقاش البريطاني مع ازدياد زخم الاعترافات الأوروبية بفلسطين، بعد خطوة كندا المنتظرة، وتوجهات دول مثل أيرلندا وإسبانيا والنرويج نحو الاعتراف الرسمي الكامل.
ويرى مراقبون أن اعتراف بريطانيا، بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، سيكون له أثر رمزي وسياسي كبير، حتى وإن لم يتغير الواقع الميداني.
لكن في المقابل، قد يؤدي هذا إلى توتر جديد في العلاقات البريطانية-الإسرائيلية، ويزيد من تعقيد علاقات لندن مع واشنطن، في حال لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتأييد هذه الخطوة.
في ظل هذا الجدل القانوني والسياسي، يبقى سؤال مهم مطروحًا:
هل يشكل الاعتراف بدولة فلسطين في هذا التوقيت دعمًا فعليًا للسلام، أم أنه سيزيد من حالة الانقسام ويفتح الباب لمواجهة قانونية ودبلوماسية على الساحة الدولية؟
وبينما تتباين الآراء بين من يرى في الاعتراف “خطوة شجاعة” ومن يعتبره “خرقًا قانونيًا”، تظل فلسطين في قلب صراع طويل لم تُحسم معالمه بعد.