في لحظة حساسة من مسار الأزمة الليبية، وبينما كانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة هانا تيتيه تقدّم أمام مجلس الأمن الدولي خارطة طريق جديدة تقود البلاد نحو الانتخابات وتوحيد المؤسسات، تعرّض مقر بعثة الأمم المتحدة في طرابلس الخميس إلى محاولة استهداف فاشلة، عبر إطلاق صاروخ سقط في محيط مجمعها.
الحادثة، وإن لم تُسفر عن أضرار، تكشف هشاشة الوضع الأمني وتعكس حجم التوترات التي ترافق أي تحرك نحو التسوية السياسية في ليبيا.
تفاصيل الحادثة
بعثة الأمم المتحدة أكدت في بيانها أن مقرها “لم يتأثر بالحادث”، لكنها اعتبرت ما جرى محاولة خطيرة للنيل من جهودها في الدفع بالمسار السياسي. حكومة الوحدة الوطنية المقالة من البرلمان أدانت الهجوم واعتبرته “عملاً يستهدف تقويض الأمن والإساءة لعلاقات ليبيا مع المجتمع الدولي”.
وزارة الداخلية أعلنت ضبط المركبة التي استُخدمت في العملية، وكانت مجهّزة بصواريخ إضافية وقاعدة إطلاق، ما يشير إلى وجود مخطط أوسع تم إحباطه. وأكدت الوزارة أن “ملاحقة الجناة ومن يقف خلفهم لن تتهاون فيها الدولة”، مشددة على جاهزية الأجهزة الأمنية لحماية البعثات الأممية والدبلوماسية.
خارطة طريق أممية جديدة
تزامن الاستهداف مع تقديم تيتيه خارطة طريق تمتد بين 12 و18 شهراً، تتضمن إصلاحات تشريعية وتأسيسية تمهّد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، والتفاوض على تشكيل حكومة جديدة تحظى بقبول وطني.
الممثلة الأممية أوضحت أن التنفيذ سيتم بالتعاون مع المؤسسات القائمة “لأن البدء من جديد سيستغرق وقتاً أطول”، في إشارة إلى أن الاستقرار لن يتحقق ما لم تُعزز المؤسسات القائمة وتُدمج في المسار الجديد.
وأكدت تيتيه أن الطريق إلى الانتخابات يتطلب تعديل الأطر القانونية والدستورية خلال فترة قصيرة، إذا توفرت “إرادة سياسية” وضمانات دولية تردع المعرقلين.
المواقف المحلية
عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة المقالة، وصف الخارطة بأنها “خطوة في الاتجاه الصحيح”، معتبرًا أن القوانين الانتخابية هي العائق الأساسي منذ 2021.
المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي رحّب بخارطة الطريق، داعيًا إلى وضع إطار زمني واقعي، والاستفتاء على المواد الخلافية إذا استمر الانقسام.
المواقف المرحّبة تكشف رغبة الأطراف في المضي نحو الانتخابات، لكنها تُظهر في الوقت نفسه اختلاف الرؤى حول ترتيب الأولويات: بين من يدعو للتسريع بالانتخابات مباشرة، ومن يطالب أولاً بحل الأجسام الموازية وتوحيد المؤسسات.
خلفية الأزمة: دولة بلا استقرار
منذ سقوط النظام السابق عام 2011، تعثرت كل المحاولات الأممية لإرساء قاعدة سياسية متفق عليها. فالحكومات الانتقالية المتعاقبة لم تستطع تحقيق الاستقرار، وظل الانقسام المؤسسي والأمني عنوان المرحلة.
المجتمع الدولي يرى أن الانتخابات هي المخرج الطبيعي، لكن الواقع الميداني يُظهر أن غياب التوافق القانوني والدستوري، ووجود تشكيلات مسلحة خارجة عن الدولة، يمثلان التحدي الأكبر أمام أي مسار ديمقراطي.
قراءة في الاستهداف
محاولة ضرب بعثة الأمم المتحدة ليست مجرد عمل معزول؛ بل رسالة سياسية تهدف إلى:
التشكيك في قدرة الدولة على تأمين العملية الانتخابية.
توجيه ضغط على الأمم المتحدة لثنيها عن فرض خارطة طريق غير مقبولة لدى بعض الأطراف.
إبقاء حالة الفوضى كوسيلة لفرض أمر واقع على الأرض.
لكن نجاح الأجهزة الأمنية في ضبط المركبة المجهزة يعكس أيضًا مؤشرات على تحسن قدرة الدولة في التعامل مع التهديدات الأمنية.
التحديات المقبلة
إرادة سياسية منقسمة: غياب التوافق بين القوى المتصارعة يهدد بتعطيل أي مسار.
تحديات قانونية: الحاجة لتعديل القوانين الانتخابية والدستور خلال فترة قصيرة.
ملف الأمن: إنهاء سطوة التشكيلات المسلحة شرط لانتخابات نزيهة.
دور المجتمع الدولي: دعم أممي وأوروبي ضروري لتوفير الضمانات والعقوبات على المعرقلين.
المشهد الليبي يقف على مفترق طرق: إما أن تتحول خارطة الطريق الأممية إلى بداية مسار فعلي نحو الاستقرار عبر انتخابات توحّد المؤسسات وتمنح الشرعية لقيادة جديدة، أو أن تبقى مجرد مبادرة أخرى تنضم إلى سلسلة المبادرات التي اصطدمت بواقع الانقسامات السياسية والسلاح المنفلت.
الحادثة الأمنية الأخيرة، رغم خطورتها، قد تُعيد التأكيد على أن نجاح خارطة الطريق يتوقف على قدرة الليبيين والمجتمع الدولي معًا على حماية العملية السياسية من الرصاص والصواريخ، وعلى توفير بيئة تجعل صوت الناخب أقوى من فوهة البندقية.
