بحوث ودراسات

محددات الموقف الأردني من معركة طوفان الأقصى

إعداد: عاطف الجولاني

واجه الجانب الرسمي الأردني تحدياً في إدارة موقف متوازن من معركة طوفان الأقصى، التي تفاعل معها الشارع الأردني بصورة قوية وغير مسبوقة. ويُلاحظ أن الموقف الرسمي الذي بدا قوياً وواضحاً بصورة نسبية بداية المواجهة، قد شهد تراجعات ملحوظة في وقت لاحق، وبرزت تعارضات بين الموقف السياسي المعلن وبين الإجراءات العملية على الأرض، وهو ما يطرح التساؤل حول محددات الموقف الأردني من المواجهة.

أولاً: محددات الموقف الرسمي:

تأثر الموقف الرسمي الأردني من معركة طوفان الأقصى بمجموعة عوامل أسهمت في تحديد سقوفه واتجاهاته، من أبرزها:

  1. القلق من تداعيات خطيرة للمواجهة على الأمن الوطني، نتيجة المواقف السلبية لليمين الصهيوني المتطرف تجاه الأردن، والخشية من تنفيذ مخططات التهجير القسري لسكان الضفة الغربية، في ظلّ تسليح عشرات آلاف المستوطنين، وضغوطهم المتواصلة على الفلسطينيين للمغادرة والتوجه نحو الأردن.

كما برزت مخاوف تتعلق بتهديد أمن الحدود الشمالية والشرقية للمملكة، بعد تزايد محاولات اختراقها خلال الشهور الماضية، على خلفية التصعيد في قطاع غزة. وفي 28/1/2024 تمّ استهداف قوات أمريكية متمركزة في الأردن على الحدود مع سورية، وأسفر الهجوم بطائرة مسيّرة عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة نحو 35.

  1. العامل الجغرافي والديموجرافي، وضغط الشارع الأردني الذي تفاعل بشكل قوي مع معركة طوفان الأقصى، ولم تهدأ فعالياته المنددة بالعدوان الإسرائيلي والمؤيدة للمقاومة منذ 7 أكتوبر. وقد غطّت التحركات كافة المناطق الأردنية، وشملت مختلف الأطياف والقطاعات الشعبية.

  1. استحقاقات معاهدة «وادي عربة» بين الأردن والكيان الصهيوني، وما تضمنته من قيود والتزامات سياسية واقتصادية وعلاقات تطبيعية بين الطرفين.

  1. العلاقات الاستراتيجية التي تربط الأردن بالولايات المتحدة، التي انحازت بشكل كامل لصالح الكيان الصهيوني، ووفَّرت له الغطاء السياسي والعسكري والمالي لمواصلة عدوانه على قطاع غزة.

  1. علاقة الأردن الفاترة مع حركة حماس، حيث جاءت عملية طوفان الأقصى في توقيت شهدت فيه العلاقة بين الطرفين تراجعاً ملحوظاً على خلفية اعتقال عدد من أفراد الحركة بتهمة محاولة إدخال أسلحة للضفة الغربية.

  1. التموضع السياسي للأردن في المنظومة العربية والدولية، التي تتخذ مواقف سلبية من حركة حماس ومن حركات “الإسلام السياسي”.

  1. خيارات الأردن السياسية في الساحة الفلسطينية، والتي تقوم على دعم مسار التسوية السياسية وخيار التفاوض وحلّ الدولتين، والانخراط في جهود وقف التصعيد وفرض التهدئة في الضفة، وتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني ومنع انهيارها أو تراجعها لصالح أطراف أخرى.

  1. توجّس الجانب الرسمي من تأثيرات غير مرغوبة لمعركة طوفان الأقصى على توجهات الشارع الأردني وميوله الانتخابية، خشية استثمارها لصالح الحركة الإسلامية في توقيت دقيق يُتوقع أن يشهد فيه الأردن انتخابات نيابية أواخر السنة الحالية (2024).

ثانياً: ملامح الموقف الأردني:

على صعيد الموقف السياسي، كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أول من أشار في الأيام الأولى من المواجهة إلى أن “حماس فكرة، والفكرة لا تنتهي”، وأكد أن الحديث عن مرحلة ما بعد غزة هو قفزة في الهواء، وأوضح أن حركة حماس لم توجد الصراع، بل الصراع هو من أوجدها. وكان الأردن سبّاقاً في وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بالعدوان وجرائم الحرب الوحشية، وصدرت مواقف عن الملك والملكة وولي العهد ورئيس الوزراء الأردني تدين العدوان، وتطالب بوقفه، وتعلن التضامن مع الشعب الفلسطيني.

وعلى صعيد المواقف العملية، اتَّخد الأردن مجموعة إجراءات كان أبرزها إلغاء القمة الرباعية التي كان مقرراً عقدها في عمّان بحضور الرئيس الأمريكي في 18/10/2023، احتجاجاً على المجزرة الإسرائيلية في المستشفى المعمداني في قطاع غزة، كما أعلن تجميد توقيع اتفاقية الطاقة مقابل المياه مع الجانب الإسرائيلي. وفي 1/11/2023، استدعى الأردن سفيره من الكيان الصهيوني، وقام بعدة إنزالات جوية للمستشفى الميداني الأردني في قطاع غزة، وأنشأ مستشفى ميدانياً ثانياً في خان يونس.

غير أن تلك الإجراءات الرسمية لم تكن كافية في نظر الشارع الأردني، الذي طالب بإلغاء معاهدة “وادي عربة” واتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، وبوقف توقيع اتفاقية الماء مقابل الكهرباء، وبإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي الأردنية، وبدعم المقاومة الفلسطينية والانفتاح على فصائلها

ويمكن تلخيص الموقف الرسمي الأردني خلال مواجهة طوفان الأقصى في النقاط التالية:

  1. إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمطالبة بوقف جرائم الحرب والإبادة.

  1. اتخاذ إجراءات لا ترقى إلى مستوى مطالب الشارع الأردني المتفاعل بقوة مع المواجهة.

  1. السماح بتنفيذ الفعاليات الشعبية، مع الحيلولة دون وصولها إلى الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك رفض إقامة اعتصامات مفتوحة، واعتقال ناشطين على خلفية المشاركة في بعض الفعاليات.

  1. السماح باستخدام الأراضي الأردنية معبراً لمرور الشاحنات التي تنقل البضائع من دول الخليج إلى الكيان الصهيوني، في سياق الجسر البري الذي تمّ تدشينه لتجاوز القيود التي فرضها الحوثيون في مضيق باب المندب على مرور السفن المتجهة للكيان الصهيوني.

الخلاصة:

يُظهر السلوك الأردني الرسمي ارتباكاً واضحاً في إدارة الموقف من معركة طوفان الأقصى، ويجد صعوبة في المواءمة بين تموضعه الإقليمي والدولي وخياراته والتزاماته السياسية، وبين التجاوب مع مطالب الشارع الأردني.

وقد أساء انخراط الأردن في الجسر البري لعبور البضائع للكيان الصهيوني إلى الموقف الرسمي الأردني، وشكّك في جديته ومصداقيته، وأثار غضب الشارع الأردني. حيث جاء الكشف عن هذا الجسر متزامناً مع تشديد الاحتلال الإسرائيلي لحصاره المحكم والخانق على قطاع غزة، وتزايد إجراءاته لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في سياق سياسته لتجويع السكان وتحريض الحاضنة الشعبية ضدّ المقاومة.

وفي ضوء السلوك العملي، والتراجع النسبي في سقف الموقف والخطاب خلال الأسابيع الأخيرة، يُتوقع أن تتواصل حالة الارتباك في الموقف الرسمي الأردني خلال الفترة القادمة، وأن ينخرط بصورة أكبر في الترتيبات العربية والدولية بخصوص مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء المعركة.

أما على صعيد إدارة العلاقة مع مكونات الساحة الفلسطينية، فيُرجَّح أن يواصل الجانب الرسمي خياره في اختزال العلاقة مع السلطة الفلسطينية والسعي لتعزيز مكانتها في الساحة الفلسطينية، ولا تظهر مؤشرات إلى احتمال انفتاحه على حركات المقاومة في المدى المنظور.

نقلا عن مركز الزيتونة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى