اتهم شهود وخبراء في محكمة مستقلة انعقدت خلال اليومين الماضيين في لندن الحكومة البريطانية، بأنها لم تكتفِ بالتواطؤ مع إسرائيل في حربها على قطاع غزة، بل شاركت بصورة مباشرة فيما وصفوه بالإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين، عبر تجاهلها التزاماتها القانونية والأخلاقية ومنعها أي مساءلة جدية للانتهاكات الإسرائيلية.
وسعت المحكمة، التي استمرت يومين واستقلت عن الحكومة والبرلمان البريطاني، إلى جمع الأدلة بشأن ما وصفه المنظمون بجرائم حرب إسرائيلية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
وقد ترأس المحاكمة السياسي البريطاني جيريمي كوربين، الذي نبّه إلى أن الشهادات الـ29 المقدمة خلال الجلسات “مهدت الطريق للحقيقة”، متعهدًا بعرض التقرير النهائي، الذي سيُعدّه مع خبراء قانونيين، على وزير الخارجية البريطاني.
اتهامات مباشرة لبريطانيا
ورسمت الشهادات صورة قاتمة لدور بريطانيا، حيث اعتُبرت الحكومة أنها بذلت الحد الأدنى في محاسبة إسرائيل، وفي المقابل فعلت كل ما بوسعها لحماية نفسها من الرقابة البرلمانية والقضائية.
ومن أبرز الاتهامات الموجهة لبريطانيا:
تبادل طياري سلاح الجو الملكي البريطاني، المنطلقين من قاعدة أكروتيري في قبرص، المعلومات الاستخبارية بشكل منهجي ومباشر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، دون مشاركتها مع المحكمة الجنائية الدولية.
إخفاق مكتب رئاسة الوزراء في دعم المحامين المكلفين بالدفاع عن جيمس هندرسون، عامل الإغاثة البريطاني في منظمة (World Central Kitchen)، الذي قُتل بقصف إسرائيلي في إبريل 2024، تاركًا التحقيق بيد الجيش الإسرائيلي وحده، فيما قد يستغرق التحقيق الجنائي البريطاني سنوات.
امتناع بريطانيا عن مساندة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، حينما استهدفته عقوبات أمريكية أدت إلى إغلاق حسابه في بنك بريطاني، وهو ما اعتبر تشجيعًا لمحاولات تقويض العدالة الدولية.
استمرار وزارة التجارة البريطانية في السماح باستيراد منتجات من المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أن محكمة العدل الدولية أقرت في يوليو 2024 بعدم قانونية الاحتلال.
قضية مقتل عامل الإغاثة
كشف المحامي فورز خان، ممثل عائلة هندرسون، أن ذوي الضحية ما زالوا يطالبون بكشف الحقيقة كاملة، وأكد أن هندرسون ذهب إلى غزة بنية حسنة، لكنه قُتل بطريقة عسكرية متعمدة، رغم أن التحقيق الداخلي للجيش الإسرائيلي وصف ما جرى بأنه “خطأ”.
وانتقد خان الحكومة البريطانية بعد أن منعت محامي العائلة من حضور اجتماعهم مع الوزراء، منبّهًا إلى أن الضربة الإسرائيلية استهدفت مركبة كانت تحمل شارات واضحة، وأدى التحقيق الإسرائيلي إلى إقالة ضابطين فقط بعد اتهام مشغل طائرة مسيّرة “بخطأ في التقدير”.
انتهاكات وثّقتها المحاكمة وقدمت المحامية شارلوت أندروز-بريسكوي، الممثلة عن منظمة الحق الفلسطينية، أدلة وُصفت بأنها من بين الأكثر إدانة لبريطانيا.
وأشارت إلى أن وزارة الخارجية البريطانية اعتادت إحالة جميع مزاعم جرائم الحرب إلى إسرائيل نفسها، فيما يشبه “المنطق الدائري” الذي منح الجناة الفرصة لتبرئة أنفسهم.
وبحلول سبتمبر 2024، كانت الحصيلة قد بلغت 40 ألف شهيد فلسطيني ونحو 10 آلاف غارة جوية، لكن الحكومة البريطانية راجعت 413 حالة فقط، معتبرة أن الانتهاك المحتمل الوحيد للقانون الدولي ارتبط بمقتل موظفي (World Central Kitchen).
وقالت أندروز-بريسكوي: “بعد 11 شهرًا من هذه الحرب الدموية، لم تعترف الحكومة البريطانية بواقعة واحدة قُتل فيها فلسطينيون فقط واعتُبرت خرقًا للقانون الدولي”.
استقالات وضغوط داخلية
من جانبه كشف الدبلوماسي البريطاني السابق مارك سميث، الذي استقال من وزارة الخارجية في أغسطس 2024 احتجاجًا على استمرار بيع السلاح لإسرائيل، أن الموظفين الذين حاولوا الاعتراض على أساليب الجيش الإسرائيلي كانوا يتعرضون لضغوط؛ لتخفيف تقاريرهم “حتى تبدو أقل سوءًا”.
وأكد أن آلاف النقاشات الداخلية بشأن السياسة البريطانية في تصدير الأسلحة لإسرائيل لم يطّلع عليها الرأي العام أو المحاكم؛ لأنها جرت في جلسات مغلقة.
وبينما تسعى المحكمة المستقلة في لندن لتجميع ملف قانوني شامل، فإن الشهادات المعروضة حتى الآن، أظهرت صورة صادمة لدور بريطانيا؛ لأنها ليست مجرد طرف متواطئ، بل هي شريك فاعل في مسار حرب يُتهم بارتكاب جرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
إدانة أخلاقية وقانونية لدور بريطانيا في حرب غزة
وقالت المحكمة إن ما كُشف في محكمة غزة المستقلة يمثل إدانة أخلاقية وقانونية خطرة للحكومة البريطانية، ويعكس انحيازًا واضحًا للسياسات الإسرائيلية على حساب المبادئ الإنسانية التي طالما تبنّتها لندن في خطاباتها الرسمية.فالمحكمة أظهرت أن بريطانيا لم تكتفِ بالصمت أو التقاعس، بل شاركت بطريقة مباشرة في توفير الغطاء السياسي للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وهو ما يضعها في مواجهة أسئلة صعبة أمام الرأي العام المحلي والدولي.