مقالات

محمد إلهامي يكتب: ممالك وجمهوريات!

في عصور الضعف هذه انقسمت بلادنا إلى: ممالك وجمهوريات!

ما من شك في أن الجمهوريات كانت أشد بطشا وقهرا واستبدادا وتنكيلا! وسجون الجمهوريات كانت أساطير في فنون التعذيب والتقطيع!

وما من شك أيضا في أن الملكيات كان أكثر استقرارا في السياسة، وكانت في المجمل أفضل في أوضاع الناس الاقتصادية!

لقد ساس الرؤساء الناس -في الأغلب- بالسوط والرصاص، وساس الملوك الناس -في الأغلب- باللين والإرضاء!

(مع وجود استثناءات لا تنفي هذه الصورة العامة)

ولكن.. يجب مع ذلك أن نلاحظ أن الشعوب في الجمهوريات تمتعت بشيء مهم سُلِب من شعوب الملكيات والإمارات؛ ذل هو: شعور بالعزة والكرامة مهما كان مخبوءا ومطمورا ومكتوما!

لم يُنْظَر إلى الرئيس كما يُنظر إلى الملوك والأمراء، لا تقديسا ولا تفخيما ولا مهابة..

ولم يكن احتمال تغير الرئيس ورحيله مثيرا لزلزلة نفسية واجتماعية، أو خارقا للسقف الفكري.. بل كثيرا ما كان هذا مطلبا منشودا تهتف به الجماهير!

بينما الأمر على خلاف ذلك في شعوب الملكيات التي يتقزم خيال حتى المصلحين فيها (وهذا ليس لوما لهم) عن تصور الحياة بغير النظام الملكي وبغير الأسرة الحاكمة.

إن هذا يؤدي إلى نتائج كثيرة، أهمها في سياقنا الآن، أن يتضاءل هدف الإصلاح وأشكاله ووسائله، حتى يصير إلى حال من تحسين شروط العبودية، وتوسيع هوامش الحركة.

(ولمرة أخرى: هذا ليس لوما لهم، بل هي نتائج أوضاع قاهرة محملة بأثقال تاريخية متراكمة)

وإذا كان هذا حال المصلحين، فكيف يكون حال أجهزة الدولة نفسها؟!

إن لكل نظام عمرا، ولكن النظام الملكي ينذر عند وفاته أو تصدعه بانهيار مزلزل لكل المجتمع، على عكس النظام الجمهوري الذي يمكن استيعاب انهياره، لأن الولاء منصرف إلى “الدولة” لا “الأسرة”، ولأن النخبة هي شبكة نخبوية اقتصادية واجتماعية وعسكرية متصاهرة ومترابطة وليست نسبا “مقدسا” لعائلة حاكمة!

ولئن كان المنظرون للنظام السياسي يتحيرون في حل معضلة الحداثة التي احتكرت القوة في يد السلطة مع أنهم في أنظمة “ديمقراطية”، فتأمل كيف يمكن أن تكون الكارثة إذا جاءت هذه الحداثة في سلطة ديكتاتورية؟! ثم تأمل، كيف تبلغ الكارثة حين تكون الحداثة وسيلة في يد سلطة ملكية ديكتاتورية؟ هذه هي ذروة الطغيان!

محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى