محمد العنبري يكتب: العدل أساس السلام نحو عالم خالٍ من الظلم والصراعات
في زمن يتسابق فيه العالم نحو التسلّح ويشتد فيه العنف والحروب تبدو الدعوة إلى السلام وكأنها ترف لا يتناسب مع الواقع
لكن السلام ليس خياراً ثانوياً بل هو واجب على الإنسانية وهو غاية لا يمكن الوصول إليها دون العدالة
التي تمثل الأساس الصلب لأي سلم دائم ومستقر
فالدعوة إلى السلام يجب أن تنطلق من مبدأ العدل وأن تمر عبر قنوات الاعتراف بحقوق الناس
والتخلي عن سياسات التهميش والإقصاء والابتعاد عن العنف والقتل إذ لا سلام حقيقي بلا عدل يحفظ للناس كرامتهم وأمانهم وحقوقهم.
العدل ليس مجرد قيمة أخلاقية نبيلة بل هو شرط ضروري لبناء مجتمع متماسك يستطيع أفراده العيش في سلام واطمئنان
فلا يمكن لمجتمع أن ينعم بالسلام بينما يتعرض أحد أطيافه للظلم أو يحرم من حقوقه الأساسية فحين تمارَس الظُّلم والاستقصاء،
نزرَع بذور الحقد والغضب التي تنمو لتصبح صراعات داخلية تهدد استقرار المجتمع بأكمله
لذلك يجب أن يبنى السلام على عدالة تنصف الجميع بلا استثناء، وتحميهم من الظلم
أو التهميش لأن السلام الحقيقي ليس مجرد هدنة مؤقتة بل هو حالة دائمة تتطلب أن يشعر كل فرد بالأمان والعدالة.
شروط نجاح الدعوة إلى السلام
لعلّ أحد أهم الشروط لنجاح الدعوة إلى السلام هو احترام حقوق الإنسان والاعتراف بأهمية كرامته
فالحق في الحياة والحق في الحرية والحق في العدالة الاجتماعية هي حقوق لا يجب أن تكون موضوعاً للنقاش
أو التفاوض إن أيّ محاولة لبناء سلام حقيقي لا بد أن تبدأ بإعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها
وأن تضمن العيش الكريم للجميع حين يشعر الأفراد بأنهم يعاملون بإنصاف
وينظَر إليهم بتقدير تنخفض لديهم النزعات العدائية وينحسر العنف من تلقاء نفسه.
القتل والحروب على مرّ التاريخ لم يكن لهما سوى آثار مدمرة حيث خلفت الحروب شعوباً ممزقة واقتصادات منهارة وبيئات ملوثة
وكل هذا يقف في وجه السلام الحروب تخلق كوارث إنسانية واجتماعية لا تنتهي بانتهاء المعارك
بل تترك آثارها جروحاً غائرة في قلوب المجتمعات إن الدعوة إلى السلام تتطلب نبذ ثقافة القتل والحروب والتوجه نحو الحوار البناء
الذي يضمن الوصول إلى تفاهمات تُحقّق مصالح الجميع ولا يمكن للمجتمعات أن تزدهر في ظل الصراعات المستمرة فالاستقرار هو الركيزة الأساسية لأي تنمية.
روح التعايش والتسامح
إن الاستقصاء والإقصاء وهما نتاج لفكر الاستعلاء الذي يقصي الآخر ويعزله يعوقان بناء مجتمع تسوده روح التعايش والتسامح فالسلام لا يتحقق في مجتمع يسوده الانقسام
ولا يتحقق في بيئة تقصى فيها أطياف معينة ويحرم أفرادها من المشاركة في صنع القرار أو من حقوقهم الأساسية
لا يمكن للمجتمع أن يعيش في سلام إذا كان بعض أفراده يشعرون بأنهم مهمّشون أو مرفوضون لذا يجب على المجتمعات العمل على دمج كافة الفئات بطرق تضمن تكافؤ الفرص.
إن تحقيق السلام لا يمكن أن يتم بمجرد اتفاقيات أو معاهدات تكتب على الورق بل يحتاج إلى نظام يحمي العدالة ويديرها بمسؤولية ونزاهة
فالتجارب في مختلف أنحاء العالم أظهرت أن السلام لا يستمر إلا عندما تتوفر الآليات التي تضمن العدالة
ويكون هناك استماعٌ دائمٌ لصوت المتضررين وتوجيهٌ مستمر للطاقات نحو البناء والتنمية
السلام لا يبنى إلا بترسيخ ثقافة الحوار البناء وإشراك الجميع في القرارات المصيرية
فالسلام الحقيقي يحتاج إلى عدالة تحميه ويحتاج إلى قلوب مفتوحة تتقبل التنوع والاختلاف.
إن الدعوة إلى السلام كي تكون صادقة وفعّالة يجب أن تترافق مع دعوة صريحة إلى العدل
فبغير العدل يبقى السلام هشاً وسريع الزوال فالعدالة ليست مجرّد قيمة نرددها
بل هي فعل نمارسه كل يوم لنضمن أن يعيش الجميع في أمان وكرامة فالسلام الدائم هو السلام
الذي يضمن حقوق الجميع ويحترم آدميتهم وهو السلام الذي لا يبنى على التهميش والإقصاء بل على التفاهم والاحترام.