أقلام حرة

محمد العنبري يكتب: العيد بين الأهل.. دفء اللقاء ووجع الغياب

العيد بين الأهل متعة لا تضاهيها متعة فهو لحظة استثنائية تحمل معها الفرح المغلف بالحنين وتوقظ فينا ذكريات الطفولة وروائح الماضي وضحكات الأحبة التي سكنت الذاكرة ولم تفارقها أبدًا يأتي العيد محملًا بمشاعر متناقضة فرح اللقاء لمن حالفه الحظ ووجع الفقد لمن فرقته المسافات أو سرقته الأيام لكنه في كل الأحوال يبقى مناسبة تعكس أسمى معاني المحبة والمودة.

ليس العيد مجرد يوم يمر على التقويم بل هو زمن يكتسي بحلة البهجة وروح مختلفة عن سائر الأيام له طقوسه الخاصة التي لا تكتمل إلا بين الأهل فهم الذين يمنحونه تلك النكهة الفريدة وهم من يجعلون تفاصيله أكثر دفئًا وجمالًا يبدأ العيد من اللحظة التي تتعانق فيها القلوب قبل الأجساد ومن صباح يشرق بضحكات الأحبة حيث تتداخل روائح القهوة مع نكهة الحلوى وتمتزج أصوات الأطفال بحديث الكبار وكأن الزمن يمنحنا استراحة قصيرة من متاعب الحياة لنعيش لحظات خالصة من الفرح في بيت العائلة العيد له طقوس لا تتغير مهما كبرت الأعوام وتغيرت الأزمنة الجد ينادي الجميع بصوته الرخيم داعيًا إلى التجمع حول مائدة الإفطار والأم تتنقل بين الغرف تتابع أدق التفاصيل تملأ الأجواء بدعواتها وابتسامتها التي تشبه العيد ذاته والأخوة يتبادلون الضحكات والمزاح بينما الأيادي تمتد لالتقاط الحلويات التي أعدّتها الأيدي الحنونة بحب.

هذا هو العيد الحقيقي حيث لا تكون السعادة مقتصرة على المظاهر بل تكمن في الشعور بالانتماء في دفء العائلة في القلوب التي تفرح معًا وتحزن معًا في اللحظات التي يصبح فيها كل شيء بسيطًا لكنه ممتلئ بالمعنى لكن ماذا عن أولئك الذين يأتـي العيد عليهم وهم بعيدون عن أحضان عائلاتهم كيف يشعر من اضطرته الظروف أن يقضي العيد في الغربة أو في أماكن لا يجد فيها دفء اللقاء وبهجة الاجتماع إن العيد خارج دائرة الأهل يشبه زهرة جميلة فقدت عبيرها أو سماء صافية ينقصها القمر مهما حاول المغترب أن يصنع أجواءً تشبه العيد الذي اعتاده يبقى في القلب شعور بالافتقاد فراغ لا تملؤه أي فرحة زائفة.

يستيقظ المغترب صباح العيد فلا يسمع صوت والدته وهي توقظه برفق ولا يرى والده بوجهه المضيء وهو يستعد للذهاب إلى الصلاة لا يسمع ضحكات إخوته ولا يجد الطاولة التي كانت تكتظ بأشهى الأطباق المحضرة بحب يحاول أن يتصل أن يسمع أصواتهم عبر الهاتف لكن البعد لا يسمح له بمشاركة تفاصيل الفرح كما ينبغي هنا يصبح العيد مجرد يوم عادي يمضي دون أن يترك بصمته المعتادة وحتى لو حاول المغترب أن يملأ يومه بالمشاغل واللقاءات تظل هناك غصة في القلب وحنين لا يهدأ ورغبة جامحة في العودة إلى حيث الدفء الحقيقي.

يختلف شعور العيد بين الأجيال فالأطفال يعيشونه ببراءة وحماس يفرحون بملابسهم الجديدة وينتظرون العيدية بلهفة ويركضون في الأحياء ينشرون الضحكات أينما ذهبوا أما الكبار فمع مرور السنوات تصبح فرحة العيد مشوبة بمشاعر مختلطة بين ذكريات الماضي ومسؤوليات الحاضر وأمنيات اللقاء بمن رحلوا أو تفرقوا في الماضي كان العيد أبسط لكنه كان أكثر دفئًا حيث كانت العائلات تجتمع في بيت الجد وكانت الجلسات تمتد لساعات وكان الجميع يعرف قيمة هذه الأيام اليوم تغيرت الكثير من العادات وقلت التجمعات العائلية وأصبح البعض يفضل قضاء العيد في السفر أو العزلة متناسين أن جمال العيد يكمن في القرب في مشاركة الفرحة مع من نحب.

حتى وإن تغيرت الظروف يبقى بإمكاننا أن نحافظ على روح العيد وأن نجعله لحظة استثنائية تجمع القلوب مهما تفرقت المسافات يمكننا أن نعوض الغائبين عن فرحة اللقاء برسائل مليئة بالمحبة وبالاتصالات التي تحمل أصواتهم إلى قلوبنا يمكننا أن نصنع من اللحظات البسيطة ذكريات جميلة أن نحافظ على العادات التي تجعل العيد عيدًا بحق وللمغتربين لا تدعوا الحزن يسرق منكم بهجة العيد حاولوا أن تصنعوا أجواءً قريبة مما اعتدتم عليه اجتمعوا مع الأصدقاء تواصلوا مع الأهل شاركوا الفرح بأي وسيلة ممكنة فقد تكون المسافات طويلة لكن المحبة أقوى من أن تعيقها الجغرافيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights