ليست الحكاية دائمًا وليدة المآسي الكبرى أو اللحظات الدرامية العنيفة… أحيانًا تولد من لمحة من ظلّ عابر من كوب شاي على عتبة بيتٍ قديم أو من ورقة سقطت من شجرة فصفّق لها النسيم بلا قصد تولد الحكاية من تفاصيل صغيرة نغفلها في زحمة الأيام لكنها تتراكم بصمت تهمس في الذاكرة ثم تنفجر في الروح كقصيدة أو تنهيدة أو نص طويل لا يشبه إلا صاحبه.
نحن أبناء التفاصيل… أبناء الأبواب الخشبية التي صارت تصدر صوت أنين مع كل فتح وغلق أبناء الجدران المتشققة التي حفظت أسرار البيوت وأصوات الجدات وتهاليل الطفولة تولد الحكاية من ملعقة قديمة نأكل بها منذ الصغر من رائحة الغداء في حارة شعبية من نظرة عابرة بين طفلٍ وأمه في السوق من أغنية خرجت من مذياع قديم فحركت في القلب ما لم تستطع نشرات الأخبار أن تفعله.
أحيانا نبحث عن بطولات خارقة لنرويها… لكن الحياة الحقيقية ليست في المعارك الكبرى فقط بل في انتصارات صغيرة يحققها إنسان بسيط في أقصى الريف حين يستيقظ قبل الضوء ليزرع أو حين تقاوم أم الفقر لتطعم أبناءها كرامة وحنانا.
الحكاية لا تحتاج إلى منبر عالٍ يكفي أن تجد من يصغي لها بقلبه لا بأذنيه.
نكتب الحكايات لا لنُظهر براعتنا بل لنقول إننا ما زلنا نعيش نشعر ننبض نحلم نتألم… وأننا رغم القسوة ما زلنا نملك القدرة على أن نحب الحياة من فتات اللحظات البسيطة.
في بلادٍي اليمن حيث يتقاطع الوجع بالكرامة وتتشابك الخسارات مع الأمل تكون الحكاية هي الوسيلة الوحيدة لنقاوم النسيان نكتب عن بائع الماء في الشارع عن معلّمٍ بلا راتب عن جندي غاب دون وداع عن فتاة تصنع من الكتب طوق نجاة عن أمّ تضيء بيتها بقنديل الصبر حين تنقطع الكهرباء وتغيب الدولة.
كل شيء هنا يستحق أن يُروى… حتى الحجارة على قارعة الطريق حتى كفّ مُسنٍّ جفّفه التعب لكنه ما زال يربّت على طفل بحنان نحن بحاجة أن نُعيد الاعتبار للبسطاء، لأنهم وحدهم يملكون حكايات لا تموت لأنهم يعيشونها لا يمثلونها.
تولد الحكاية من أبسط الأشياء…
لكننا بحاجة لعينٍ ترى وقلبٍ يشعر وضميرٍ لا يستنكف الإصغاء لما لا يقال
نحن لا نكتب لنتفاخر بل لننقذ ما تبقى من إنسانيتنا
نكتب لأن الحكايات الصغيرة قد تنقذ وطنا أو على الأقل تعيد لمواطنٍ ما الشعور بأنه مرئي وأن صوته ليس مجرد صدى في الفراغ.
ربما لم نعد نملك إلا الحكاية…
فدعونا لا نستهين بها
ففي الحكاية مهما كانت بسيطة…
ينام التاريخ وتنهض الحقيقة.