محمد العنبري يكتب: شباب بلا أحلام.. ربيع بلا أزهار


الشباب هم روح الأمة ووقود نهضتها فإن كانت الأمم تقاس بقوة شبابها وعزيمتهم وإصرارهم فإن شباب اليوم يواجهون تحديات تعصف بأحلامهم وتكسر آمالهم وكأن الأقدار كتبت عليهم أن يكونوا مجرد أرقام في قوائم الإحصاء لا رأي لهم يسمع ولا فكرة لهم تحتضن ولا طموح لهم يترجم إلى واقع كأنما حكم عليهم أن يظلوا في هامش الحياة يتطلعون إلى المستقبل فلا يجدون فيه إلا السراب يتلمسون طريق المجد فلا يعثرون إلا على العثرات وبدلاً من أن يكونوا بناة الأوطان تحولوا إلى مجرد متفرجين على مشهد يتكرر فيه الفشل والإحباط والخذلان فأي مستقبل نرجوه إذا كان الشباب بلا أحلام وأي نهضة ننتظرها إذا كان الربيع بلا أزهار.
لقد أصبح واقع الشباب اليوم مليئا بالتناقضات فهم يملكون العقول النيرة والطاقات الجبارة لكنهم يجدون أنفسهم أسرى للبطالة والتهميش والإهمال تحاصرهم الظروف الاقتصادية القاسية وتطاردهم الأوضاع الاجتماعية الصعبة فلا يجدون فرصة لإثبات قدراتهم ولا مساحة ليحققوا طموحاتهم وكأن الأبواب قد أُغلقت في وجوههم والآفاق قد ضاقت أمامهم فلا عجب إذن أن نجد شبابا فقدوا الأمل في أوطانهم وتسلل اليأس إلى قلوبهم فهاجروا أو انعزلوا أو استسلموا لأحزانهم أو انجرفوا وراء تيارات الغلو والتطرف يبحثون عن هوية لهم خارج أوطانهم وعن مستقبل لهم في أماكن أخرى وكأن أوطانهم لفظتهم ولم تعد ترى فيهم سوى عبء ثقيل.
إن الأوطان التي تهمل شبابها تحكم على نفسها بالموت البطيء فالشباب هم الدرع الحامي والسياج المنيع لأي أمة تريد أن تحيا بكرامة وعزة وإذا لم يتم تسليحهم بالعلم والمعرفة وتوفير البيئة المناسبة لهم وتمكينهم من الإبداع والابتكار فإننا بذلك نتركهم فريسة سهلة للجهل والضياع فلا نهضة تتحقق دون شباب متعلم واعٍ ولا مستقبل مشرق دون أجيال تحمل راية البناء والتغيير ولهذا فإن مسؤولية دعم الشباب ليست مجرد واجب وطني بل هي مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية لأن في أعناقنا دينا لهذا الجيل الذي يجب أن نمهد له الطريق ليكون في طليعة المسيرة لا أن نعرقل خطواته ونطفئ جذوة طموحه.
غير أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الحكومات والمؤسسات بل إن الشباب أنفسهم مطالبون بأن يكونوا على قدر التحديات فلا يستسلموا للهزيمة ولا يسمحوا لليأس أن يتسلل إلى نفوسهم عليهم أن يتسلحوا بالإرادة والصبر وأن يشقوا طريقهم نحو النجاح رغم كل العقبات فالأمل لا يمنح لمن ينتظر بل ينتزع انتزاعا ممن يؤمنون بحقهم في الحياة والكرامة والنجاح لا يأتي لمن يتذرعون بالمبررات بل لمن يكافحون ويصنعون الفرص من رحم الأزمات والشباب الحقيقي هو الذي ينهض من كبواته ويتعلم من تجاربه ويواصل السير مهما كانت العوائق فلا قوة على وجه الأرض يمكن أن تهزم شعبا يمتلك شبابا واعيا وقادرا على العطاء.
إن الشباب الذين يتركون بصماتهم في الحياة ويصنعون الفرق في مجتمعاتهم هم أولئك الذين يؤمنون بأن النجاح ليس هبة بل هو نتيجة جهد وتعب وتضحيات فلا تنهض الأمم إلا بشباب يملكون الحلم والإرادة ولا تتقدم الشعوب إلا إذا احتضنت مواهب شبابها ودعمت طموحاتهم ولا يتحقق التغيير إلا إذا أدرك الشباب أنهم وحدهم القادرون على رسم ملامح المستقبل فلننظر إلى تاريخ البشرية كل نهضة عظيمة كان وقودها الشباب كل ثورة فكرية أو صناعية أو علمية كان خلفها شباب حملوا مشاعل النور في أحلك الظروف فلا يمكن أن نتصور حاضرا مزدهرا أو مستقبلا مشرقا بدون أن يكون للشباب فيه الدور الأبرز والمكانة الأعلى.
وإذا كنا نعيش اليوم في عالم متغير ومتسارع فإن علينا أن نعي أن الركون إلى الماضي لن يصنع مستقبلا وأن التعويل على الآخرين لن يحقق النجاح فكل أمة تقاعس شبابها عن دورهم كانت نهايتها محتومة وكل وطن أدار ظهره لشبابه كان مصيره الفشل والتخلف ولهذا لا بد أن يكون هناك وعي حقيقي بأهمية تمكين الشباب وتوفير كل السبل التي تساعدهم على تحقيق أحلامهم فليس من المنطقي أن تظل الطاقات معطلة والعقول مكبلة والقدرات مهدرة وليس من العدل أن يترك الشباب يواجهون مصيرهم دون دعم أو مساندة وليس من الحكمة أن ننتظر المستقبل المشرق بينما نحرم شبابه من فرصتهم في البناء والتغيير
إن العالم اليوم يبنى على العلم والمعرفة والقوة الحقيقية ليست في السلاح والمال بل في العقول التي تصنع الأفكار وتقود مسيرة التقدم وإذا أردنا لأوطاننا أن تنهض وأن تستعيد مكانتها فلا خيار أمامنا سوى أن نجعل الشباب في صدارة المشهد نمنحهم الثقة نوفر لهم الفرص نفتح أمامهم الأبواب نؤمن بقدراتهم نشجعهم على المبادرة نزيل العقبات من طريقهم نمنحهم الأمل في أن الغد سيكون أفضل لأن الشباب حين يمتلك الأمل يتحول إلى طاقة خلاقة وحين يجد من يحتضن أفكاره يصنع المعجزات وحين يشعر أن وطنه يؤمن به يعطيه كل ما يملك من إخلاص وجهد وتضحية.
أما إذا استمرت حالة التهميش والإقصاء وإذا ظلت القيود تحاصر الشباب وإذا بقيت السياسات العقيمة تعرقل تقدمهم فإننا لن نجني سوى المزيد من الإحباط والانكسار وسنظل ندور في دائرة مغلقة من الفشل والتراجع وستكون النتيجة جيلا يائسا بلا طموح وطنا عاجزا عن التقدم ومستقبلا غامضا لا يبشر بخير فلا تدعوا الربيع يذبل قبل أن تتفتح أزهاره ولا تجعلوا الشباب يحلمون بأوطان بديلة فالشباب إذا فقدوا الأمل في وطنهم فماذا يتبقى لهذا الوطن؟