أقلام حرة

محمد العنبري يكتب: عالم يحترق بنيران الظلم متى يستيقظ الضمير الإنساني؟

العالم يشتعل بنيران الحروب والصراعات التي لا تهدأ، والإنسانية تتهاوى أمام طوفان الدماء والدمار، الدول الكبرى التي كان يفترض أن تكون رائدة في تحقيق الأمن والسلام أصبحت هي الوقود الذي يغذي ألسنة اللهب، بأسلحتها الفتاكة وصواريخها العابرة للقارات، بمؤامراتها التي تحركها خلف الستار، وبهيمنتها التي لا تقيم وزناً لحقوق الشعوب وكرامة الإنسان، الطفولة تُسحق تحت أنقاض البيوت، والأمهات يُمزقن بصواريخ الموت، والمدن تتحول إلى خرائب سوداء يتصاعد منها الدخان، والحضارة التي تغنت بها الإنسانية أضحت وحشاً كاسراً يلتهم كل شيء دون رحمة

العالم كله يرى ويسمع والصور تتدفق عبر الشاشات والدموع تسيل من عيون المكلومين، والأرواح تحترق في صمت، لا أحد يستطيع أن يوقف هذا الطوفان، فالضعفاء لا يملكون سوى البكاء والدعاء، والأقوياء مشغولون بعدّ الغنائم وإحصاء الأشلاء، لا فرق بين كبير وصغير، فكل من يقع تحت مرمى النيران مصيره واحد، والمقابر الجماعية تشهد على فظاعة الجريمة، الأمم المتحدة تندد، والمنظمات الإنسانية تصدر البيانات، لكن لا شيء يتغير، فالجريمة مستمرة، والقاتل حر طليق، والمقتول لا بواكي له

في فلسطين هناك شعب يسكن أرضه منذ آلاف السنين في بيوته التي بناها بعرقه وجهده، ومع ذلك يأتي الغاصب ليقول له: اخرج من بيتك، وإن لم تفعل سأقتلك أنت وأطفالك، ويبارك العالم هذا الجنون، ويدافع عن الجلاد، ويطلب من الضحية أن تصمت وتموت بسلام، هل يُعقل هذا؟ هل يمكن لأي شعب على وجه الأرض أن يقبل بمثل هذا الظلم؟ هل يستطيع أحد أن يطلب من الأمريكي أن يغادر بيته لصالح غريب قادم من آخر الدنيا؟ هل يمكن أن يُفرض على الفرنسي أو البريطاني أن يتخلى عن وطنه دون قتال؟ لماذا إذن يُطلب من الفلسطيني أن يستسلم ويترك وطنه؟ لماذا يُراد له أن يموت بصمت دون أن يدافع عن نفسه؟

أمريكا التي تدعي الحرية والعدالة وتقود العالم بمنطق القوة والهيمنة، تتبنى هذا الظلم وتدعمه، تمد المعتدي بالسلاح والمال، وتحميه من أي محاسبة، وتعاقب كل من يقف في وجهه، فأي منطق هذا؟ وأي عدالة تلك التي تشرعن القتل والتهجير؟ وأي إنسانية تلك التي تتجاهل أنات الأطفال تحت الركام؟ العالم كله يعرف الحقيقة، لكن المصالح تعمي الأبصار، والأموال تشتري الضمائر، والهيمنة العسكرية تحكم بلا منازع

إن هذا العالم لن يعرف السلام ما دامت القوة وحدها هي التي تصنع القوانين وما دام الظلم يجد من يدافع عنه ويبرره، وما دامت العدالة تُسحق تحت أقدام الطغاة، لن يكون هناك أمن لأحد، لأن من يزرع الشر يحصد الدمار، ومن يشعل الحروب لا بد أن يكتوي بنيرانها يوماً ما، قد يطول الزمن، لكن الحقوق لا تضيع، والتاريخ لا ينسى، ومن يعتقد أن القوة أبدية فهو واهم، لأن الأيام دول، والجبابرة يسقطون، والأمم التي تُضطهد لا بد أن تنهض، لأن الحياة لا تتوقف عند لحظة ضعف، ولا تنتهي عند عصر من الظلم

أيتها الدولة العظمى أمريكا عودي إلى رشدك قبل أن يفوت الأوان لا تكوني أداة لتدمير العالم، لا تجعلي القوة وحدها معيار الحق، لا تغرنك سلطتك وجبروتك، فالأيام حبلى بالمفاجآت، وما تزرعينه اليوم من ظلم وقتل سيعود عليك غداً بعواصف لا تبقي ولا تذر، العالم لم يعد يحتمل المزيد من الدماء، الأرض لم تعد تتسع لكل هذا الحقد، الإنسانية في خطر، والحضارة التي تدعين قيادتها تتهاوى أمام جرائمك، فهل من عودة إلى العقل؟ هل من صحوة ضمير قبل أن يفنى كل شيء؟ هل من مكان للإنسان في حساباتك، أم أن المصالح وحدها هي التي تقودك إلى الهاوية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights