محمد العنبري يكتب: هكذا هي الحياة

هكذا هي الحياة تمشي بنا على مهل كمن يعرف الطريق ولا يريد الوصول سريعًا تمضي ونحن نظن أننا من نحركها لكنها في الحقيقة تسير بنا حيث تشاء نحرث الأرض بأيدينا المليئة بالشقاء نحفرها بأظافر الصبر نبللها بعرق المعاناة ثم نرمي البذر بقلوب مفعمة بالأمل كمن يهمس للغيب أن يحفظ له زرعه أن يحميه من الريح والظمأ والفقد.
ننتظر بلهفة الأطفال الذين زرعوا الأمنيات في قارورة زجاجية ودفنوها تحت وسائدهم نراقب النبت وهو يشق التراب كما تشق الأحلام ليل الخذلان ننظر إليه يكبر خطوة بخطوة نعد أوراقه ونبتسم لكل غصن جديد كأننا نعدّ نبضات قلوبنا في صدر الحياة.
ثم لا يلبث أن يأتي من لا يعرف عن الأرض شيئًا ولا عن البذر شيئًا ولا عن طول الانتظار شيئًا يأتي بيد ناعمة لم تخدشها شوكة وبقلب بارد لم يذق طعم الرجاء يقطف النبت وكأن الأمر لا يعنيه يحمل ثمرة لم يتعب لأجلها يبتسم للكاميرات بينما يتوارى الفلاح في ظلال التعب.
هكذا هي الحياة لا تنصف اليد التي زرعت ولا القلب الذي صبر تأخذ من هذا وتعطي لذاك فلا تتعجب إن رأيت من يحصد ما لم يزرع ومن يعلو على أكتاف من حفر الأرض بأظافره.
ومع ذلك لا نتوقف لا نعتزل الزرع ولا نعلن الحرب على التراب نعود فنحرث الأرض من جديد نرمي البذر بأمل جديد نربت على الكفوف المتعبة ونواسي القلوب المكسورة لأننا تعلمنا أن الحياة لا تعطينا دائمًا ما نستحق لكنها تعلمنا كيف نكون أحقاء بما سنستحق ذات يوم.
نمضي في الطريق ذاته نعلم أن القطف ليس لنا لكننا نزرع لأن الزرع جزء من إيماننا بالحياة لأن البذر الذي نرميه اليوم قد يكون شجرة يستظل بها من نحب غدًا.
هكذا هي الحياة تمنحنا الألم لنتعلم وتسرق منا الفرح لنشتاق وتمنحنا من حين لآخر قطفة صغيرة نعرف بها طعم العدالة فنبتسم رغم الخذلان ونواصل الطريق.