في خضم هذا الواقع المعقد الذي تعيشه اليمن تبدو الحالة السياسية أشبه بلوحة متصدعة كل زاوية فيها تنطق بالتناقض وتفتقر إلى التناغم المطلوب للخروج من نفق الأزمات إنّ أخطر ما في هذه الحالة السياسية هو غياب وحدة القرار وتعدد مرجعياته الأمر الذي انعكس بشكل مباشر ومؤلم على الحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطن وفتح الباب على مصراعيه للفوضى والاضطراب وسوء الإدارة بل وحتى للعبث الممنهج بمصائر الناس.
ما نعيشه اليوم من انهيار اقتصادي وتدهور للعملة وغلاء فاحش ليس إلا نتيجة طبيعية لحالة الانقسام والتشاكس داخل منظومة الحكم وما كان لهذا الانهيار أن يصل إلى هذا الحد لو وُجد قرار سياسي موحد وإرادة جماعية تعمل بروح واحدة بعيدا عن لغة التخوين والتنافس العبثي على النفوذ والمناصب.
القيادة الشرعية رغم كل الضغوط والتحديات قادرة على إنقاذ الاقتصاد إذا اجتمعت على مائدة الضرورة وتجاوزت خلافاتها لمصلحة المواطن الجائع فحتى لو كانت وحدة القرار أمرا صعب المنال في الوضع الطبيعي فإنّ ما تمر به البلاد الآن من ظرف استثنائي يفرض تجاوز المحظورات ويمنح مشروعية كاملة لاتخاذ قرارات استثنائية من شأنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وقد رأينا جميعا كيف أن بعض الإجراءات الأخيرة التي اتخذت أدت إلى تحسن نسبي في قيمة العملة الوطنية وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي يؤكد أن المسألة ليست مستحيلة وأن الإرادة السياسية إذا وجدت يمكنها أن تصنع فارقا ملموسا في حياة الناس وتبعث الأمل من جديد في النفوس المنهكة.
لكن ما نحتاجه اليوم ليس فقط قرارات جزئية بل رؤية شاملة تنطلق من توحيد القرار السياسي والاقتصادي وخلق تنسيق دائم بين مراكز القوى الشرعية بعيدا عن الحسابات الشخصية أو المناطقية نحتاج إلى أن يتعامل الجميع مع ملف الاقتصاد على أنه ملف سيادي لا يجوز المساومة عليه وأن يمنح البنك المركزي الصلاحية والموارد ليقوم بمهامه بعيدا عن التدخلات والإملاءات وأن يتم توريد كل الإيرادات إليه بشكل منتظم من جميع المحافظات.
إن دعم هذه الخطوات ليس فقط مسؤولية الحكومة بل مسؤولية وطنية على عاتق الجميع من مسؤولين وقادة رأي وفاعلين مجتمعيين واقتصاديين فإعادة الثقة بالعملة الوطنية تعني إعادة شيء من الثقة بالحياة نفسها وبالقدرة على الصمود والتعافي لا سيما في بلد مثل اليمن أرض طيبة ومباركة تستجيب سريعا لأي محاولة صادقة للنهوض وتثمر بمجرد أن تهتز شجرتها شريطة أن تكون الأيدي التي تهزها نزيهة ومخلصة.
بلادنا لا تحتاج معجزات بل إلى مصداقية في النوايا وإرادة في التنفيذ ووحدة في القرار فإذا اجتمعت هذه العناصر فإن اليمن قادرة على النهوض حتى وهي في غرفة الإنعاش ولا تزال أمامنا فرصة ولو كانت ضئيلة لإنقاذ ما تبقى من ماء وجه هذا الوطن وما تبقى من كرامة هذا المواطن الذي أنهكته الحرب والجوع والخذلان فهل تتحد القيادات قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم؟
اقرأ أيضًا :