مقالات

محمد شعبان أيوب يكتب: الصراع السياسي في التاريخ دموي بطبعه

أحببتُ أن أعرف شيئًا عن صراعٍ وقع بين السلطان العثماني مراد الثاني -وهو والد السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية- وبين عدد من إخوته وعمّه، كان عمه الشاهزاده مصطفى شلبي قد أخذه البيزنطيون اليونان رهينة واستطاعوا أن يجعلوه ورقة في أيديهم يستخدمونها وقتما يريدون، وبالفعل لما مات السلطان محمد الأول والد مراد الثاني أطلقوا سراح مصطفى لينازع السلطان الجديد مراد الثاني على كرسي الحكم، وفي المقابل انطلق مراد إلى القسطنطينية ليحاصرها وهو الذي غرس في ابنه محمد الفاتح حصار القسطنطينية وضرورة إسقاطها لكثرة حصاره لها.

 

في المقابل أرسل البيزنطيون أموالا كثيرة لأخيه الشاهزاده (الأمير) كُجك مصطفى الذي أعلن العصيان وانطلق إلى مدينة بورصة ثم إزنيق ليسقطها ويعلن نفسه سلطانا، ونجح البيزنطيون بهذه الخطة في ضرب العثمانيين ببعضهم، ثلاثة أمراء عثمانيون بثلاثة جيوش يتصارعون ما أجمل هذه اللحظة حين ترى عدوك يفني بعضه بعضا.

 

كان السلطان مراد الثاني أذكاهم وأسرعهم، واجه أولا عمه الموالي للبيزنطيين الشاهزاده مصطفى وقضى عليه سريعا، ثم أطلق قوة عسكرية ضاربة وصلت إلى إزنيق لحصار وقبضت على أخيه مصطفى وهو في الحمّام (والحمام ليس بيت الخلاء) فقبضوا عليه وقُتل.

 

ولم يتوقف مراد عند هذا الحد، فوفقا لهذا النص التاريخي التركي سملَ أعين أخويه الآخرين محمود ويوسف وأرسلهما عند أمهما في بورصة عُميانا ليقضي على أي فتنة مستقبلة منهما.

وما لم يذكره النص التاريخي أنه سجن أخا آخر له اسمه أورخان ومات في سجنه، حصل كل هذا في وقت تذكر المصادر التاريخية أنه كان المؤسس الثاني للدولة العثمانية مثله مثل والده السلطان محمد الأول شلبي/جلبي الذي وحّد دولة العثمانيين بعد 11 سنة من الحرب الأهلية سُميت في التاريخ بعصر “الفترة”، وأنه كان من أكثر سلاطين العثمانيين مواجهة القوى الأوروبية مثل المجريين والصرب والرومانيين والبيزنطيين اليونان والقوى الداخلية مثل القرامانيين وغيرهم، ثم تنازل عن العرش لابنه محمد الفاتح ليتفرغ للعبادة قبل أن يعود للحكم من جديد تحت إعلان الغرب حملة صليبية على العثمانيين.

 

ومات في النهاية كهلا في عُمر ال43 عامًا بعد كل هذه الأحداث الجسام، وارتقى ابنه السلطان محمد الفاتح وبعد ارتقائه بعامين فقط فتح القسطنطينية وكثيرا من شرق أوروبا وفتح حتى جنوب إيطاليا وكان يخطط لفتح روما نفسها لولا وفاته.

 

والشاهد من كل هذا أن التأمل في هذا الصراع على الحكم بمنظارنا اليوم يجعل أكثرنا حساسين للدماء والأرواح، كيف يمكن أن يقوم حكم على كل هذه الفظائع والخيانات، بينما الصراع السياسي والعسكري طوال التاريخ دموي بطبعه واختياراته؛ لأنه يحكم بين السيء والأسوأ، فضلا عن أن مُحدّدات الأمر الواقع السياسي والعسكري منوطة بالغايات والمصالح البعيدة، لهذا السبب لا يمكن لحالمٍ أو منظّر أو قانوني أن ينجح في ميدان السياسة وحكم الدولة دون تجربة أو قوة.

محمد شعبان أيوب

باحث في التاريخ والتراث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights