الجمعة يوليو 5, 2024
مقالات

محمد شعبان أيوب يكتب: حرية التلاقي والحركة

الشريعة الإسلامية ضمنت للمسلمين حرية التلاقي والحركة من خلال عدّة أمور لافتة ومهمة للغاية؛

أولها أنها جعلت لابن السبيل نصيبا مفروضا في أموال الصدقات والزكوات، وهو المسافر الطارئ الغريب عن الوطن والأهل، وهذه الأموال أبدع المسلمون في تحويلها لمؤسسات مهمة مثل الخانات والرُّبط والزوايا والأوقاف التي كانت تخدم أبناء السبيل والمسافرين والتجار وطلبة العلم وغيرهم، فكانت رافدًا لا ينقطع في خدمة الأمة وأبنائها بعيدا عن الساسة والسياسيين.

والثاني أنها أنزلت عقوبة رادعة على كل من يحاول فصل المسلمين عن بعضهم البعض بإرهابهم بالسلاح ونهب المال وقطع طُرقهم، فشرّعت حدّ الحرابة امتثالا لقول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

وعلى هذا تجدُ فارقا ضخما وجوهريا بين التصور الإسلامي لوحدة المسلمين وتلاقيهم الذي ترسخه الآيات القرآنية في قوله تعالى: (إنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، وبين منطق الدولة الحديثة الذي يرفع من شأن الحدود السياسية وجوازات السفر ويتعامل مع المسلمين من غير أهل البلد بمنطق المهاجرين أو غير المواطنين أو ليسوا من “السكّان”.

وهو منطق أوروبي قومي في الأساس فرضته الدولة القومية الأوروبية المنتصرة منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا على مستعمراتها بما فيها الدول الإسلامية التي اتخذت هذا المنطق دستورًا لا يتزعزع.

وستجد بعض المسلمين من العنصريين والقوميين يرون في الغربي الفرنسي والأمريكي والإنجليزي أقرب إليهم من المسلم الذي عاش جارا لهم منذ مئات السنين، وما حدث كل ذلك إلا بانتصار الغرب العسكري وتفوقه، فلم يكن التفوق عسكريا فقط، بل فُرضت علينا حتى الفلسفة الغربية في النظر للمسلم الذي تختلف حدوده السياسية عن حدودنا السياسية!

Please follow and like us:
Avatar
باحث في التاريخ والتراث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب