الجمعة يوليو 5, 2024
مقالات

محمد شعبان أيوب يكتب: مواضع نصر فيها أبو بكر الصدِّيق الإسلام

أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه نصرَ الإسلام نصرًا مؤزّرا في ثلاثة مواضع مفصلية، ولو لم ينصره فيها لربما انقلبت أحوال المسلمين رأسا على عقب منذ مهد الدعوة وإلى يومنا هذا.. نعم بقدر ما تستغرب الآن!

أما الموقف الأول:

فوقوفه مع النبي صلى الله عليه وسلم في أخطر لحظات الدعوة في بداياتها؛ حين كان المسلمون يُتخطّفون من حولهم، ويجبرون على الهجرة إلى الحبشة، كان أبو بكر يدعم النبي علانية، ويحرر العبيد، وينصر النبيّ في الهجرة إلى المدينة بنفسه حارسًا ومسخرا ابنته أسماء رضي الله عنه لجلب الطعام والماء، ومولاه (أي عبده المعتَق) عامر بن أبي فُهيرة لجلب الغنم والشاة لمحو أثر أقدامهما حتى لا تتبعهما قريش، وقد نجحت تدابيره وبلغا إلى المدينة المنورة سالمينِ غانمينِ.

الموقف الثاني:

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم رفض الجميع تصديق خبر الوفاة حتى وقف عمر رضي الله عنه يقول: من قال إن محمدًا مات قتلته بسيفي هذا، وإنما رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى (عليه السلام).

وتأمّل لو أن الصحابة صدّقوا مقالة عُمر بأن النبي لم يمت وأنه سيرجع ويعود؛ لاختلفت الأمة اختلافا رهيبًا حتى يومنا هذا، ولربما عُبد رسول الله مع مرور الزمن من دون الله أو مع الله لا سيما وأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، ولكان الأمر فتنة، ولافترق الإسلامُ في مهده كما حدث مع الملل والأديان الأخرى.

وفي وسط هذه الصاعقة التي نزلت على الجميع دخل أبو بكر رضي الله عنه على حبيبه وخليله في غرفته وهو لا يزال مُسجّى؛ حتى إن عائشة رضي الله عنها تروي كما ذكر أحمد في مُسنده: «أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فَمَه بين عينيه، وضع يديه على صِدغيه، وقال: «وانبيّاه، واخليلاه، واصفياه». ورغم هذا الحزن العميق، والفاجعة الحالّة خرج وهو يسمع عُمر يتكلم بهذا الكلام الآنف والناس ملتفون حوله، مصدّقون مقالته، يروي البخاري في صحيحه أن أبا بكر لما خرج من عند رسول الله وقد سمع عُمر يتكلم ويهدد من يقول بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “أيها الحالف على رِسلك! فلما تكلَّم أبو بكر جلَس عمر- فحمد اللهَ أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا مَن كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 30]، وقال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144]، قال: فنشجَ الناس يبكون».

ويقر عُمر فيقول: «كأني ما سمعتُها قبل أن يقرأها الصّديق رضي الله عنه».

وهذا هو الموقف الثاني المفصلي الذي حفظ أبو بكر فيه بيضة الإسلام ووحدته من التفرق والتشرذم والفتنة.

وأما الموقف الثالث:

فهي حروب الردّة التي أنصح الجميع بقراءة تفاصيلها التاريخية قراءة مُمعنة لترى كيف ارتدّت جُل القبائل العربية ولم تبق إلا المدينة ومكة والطائف وكيف أدار أبو بكر الأزمة، وجيش الجيوش، وحفظ المدينة المنورة بنفسه، ووضع لها خطة أمنية محكمة لأنها فرغت من الصحابة الخارجين للقتال، وكانت مطمعا للعدو، ولقد كان المرتدون ذوو شوكة وقوة غالبة في اليمن ونجد والبحرين وغيرها، فلما رأى عُمر ومن حوله هذا الموقف العصيب نصح أبا بكر قائلا: «كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله»، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن مَن فرّق بين الصلاة، والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله، ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق».

هذه ثلاثة مواقف فاصلة في حياة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه تكشف لك أن هذا الرجل الذي صدّق الرسالة ودافع عن الإسلام بماله ومواقفه ونفسه في كل حين، بل وأطلق شرارة الفتوحات الإٍسلامية في العراق والشام في زمنه لم يكن رجلا عاديًا، هذا على ضعفه الظاهر، واعتلال قوته!

ولهذا نفهم لماذا قال عُمر في الحديث المرفوع عن رسول الله: «لو وُزن إيمانُ أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم»!

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين.

Please follow and like us:
Avatar
باحث في التاريخ والتراث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب