محمد فتحي النادي يكتب: «الكاكائية».. عشيرة أم نحلة دينية؟
العراق بلد فريد في تاريخه، ومن أوجه فرادته أن معظم الفرق الإسلامية من: «الخوارج» و«المعتزلة» و«الأشاعرة» و«الحشوية» و«السلفية».. إلخ نشأت على أرضه.
هذا إلى جانب وجود كثير من الأديان القديمة مثل: «الصابئة» «المندائية»، و«الزرادشتية».. إلخ فيه إلى الآن.
ولم تظهر التنوعات الدينية بقوة إلا بعد حرب الخليج الثانية، وبسقوط بغداد 2003م حاولت كل طائفة ودين أن تثبت وجودها، وتكشف عن هويتها الدينية التي حاولت إخفاءها، وتوارت بها عن الأنظار دهرًا.
ومن هذه الطوائف والديانات الديانة الكاكائية المنتشرة بين الأكراد، والتي اعتنقوها من قديم، ويغلفونها بالكتمان والسرية، فلا يبوحون بها، ولا يجيزون هتك أسرارها.
معنى «الكاكائية»
كلمة الـ«كاكائية» هي كلمة كردية مأخوذة من كلمة: «كاكا» بمعنى: الأخ، والنسبة إليها «كاكائي»، والنحلة أو الطائفة يقال لها: «كاكائية»(1).
وصار كل واحد في هذه الطائفة يدعو الآخر من دعوته بـ«أخي»، وأضحت رابطة روحية تجمعهم، ويلتفون حولها.
أسماء تلك الطائفة
هناك عدة تسميات لهذه الطائفة، وأفضل التسميات لديهم هي: «أهل الحق».
وقد يطلقون على أنفسهم «أهل الحقيقة» أو «أهل السلسلة»، ويقال: إنها كانت تعرف بـ «الفتوة».
وكلمة «يارسانية» هي التسمية الأخرى للكاكائية، وتتكون من (يار) و(سان) في الكردية والفارسية، وتعني الأولى: صديق أو محبوب، والأخرى تعني: الشاه أو السلطان.
وقت ظهورها
الكاكائية ظهرت كطريقة صوفية روحية عرفانية، على يد الشيخ سلطان إسحاق بن الشيخ عيسى البرزنجي المولود سنة 671 للهجرة، وهو الموصوف بـ (فخر العاشقين).
وقد كانت تنظيمًا اجتماعيًّا للشباب والفروسية، ثم تطورت لتصبح نحلة في القرن العاشر والحادي عشر الهجري.
يقول عباس العزاوي: إن «الكاكائية» طريقة، ثم انقلبت إلى نحلة، ودخلها التحول في مختلف الأزمان(2).
التكتم على العقائد
لا يقوم «الكاكائيون» بالحديث عن عقائدهم أو شرحها في: كتب أو مجلات أو مجالس علمية عامة، بل يتكتمون، وقصارى فعلهم التغني ببعض الأشخاص، وإنشاد بعض الأشعار.
وهم راغبون عن تبديد الشبهات التي تحوم حولهم، ويلوذون بالصمت عند السؤال عن عقائدهم.
وهذا الفعل كان بتوصية من شيخهم الأكبر «سلطان إسحاق» البرزنجي القائل: «لا تكشفوا الأسرار، فيا أيها الياران (الأنصار) إياكم وكشف الأسرار؛ فالحكمة يتلقاها الأهل برموز؛ لئلا تحترقوا في محرقة أعمالكم»(3).
ولأجل هذا التكتم أصبح يضرب بهم المثل فيقال: «كتوم للسرّ مثل الكاكائي».
ورغم الطابع المغلق السري للديانة، إلا أنّها شهدت في العصر الحديث محاولة من داخلها لتحديثها، بشكل يركز على روحانيتها، ويعيد إدراجها في فضاء التشيع، وهو ما قام به حج نعمت الله (1920)، ثم ابنه استاد نور علي إلهي أو استاد إلهي (1974)، والأخير ألّف عددًا من الكتب الشارحة للديانة، والتي وجدت رواجًا في المكتبة الروحانية بالغرب(4).
من عقائد الكاكائية
عقيدة «الكاكائية» في الألوهية أن الله -تعالى- يتجلّى بنفسه في أدوار سبعة، من خلال سلسلة من «المظهريات» الإلهية، التي ترتدي أجسامًا طبيعية بشريّة، وممن تجلى فيهم الإله الإمام علي والسلطان إسحاق.
وهذا عدا عن كونه تأليهًا للبشر فإنه ينفي دور الأنبياء والمرسلين.
وعقيدة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود عمدة في اعتقادهم؛ فـ«الكون والمكون واحد، وأنهم منه وإليه، وليس ثمة فروق، فلا مجال للتحري، وفي أمر الوحدة والاتحاد زلت أقدام»(5).
يؤمن «الكاكائية» بتناسخ الأرواح والتقمّص، والتي تعني أنه إذا مات الإنسان فإنه «يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ما قدم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة»(6).
لا يؤمنون بعذاب القبر، ولا باليوم الآخر، وذلك ترتيبًا على فكرة «تناسخ الأرواح».
لا يلعنون أي مخلوق بما في ذلك الشيطان، بل يحترمونه.
لا يتلون القرآن، ويعد في نظرهم غير معتبر؛ لأنه من جمع عثمان -رضي الله عنه(7).
عباداتهم
«الكاكائية» لا يراعون العبادات والتكاليف الشرعية؛ فهم لا يصلّون، ولديهم في كل سنة يوم يصومونه يدعونه (يوم الاستقبال)، ثم يصومون ثلاثة أيام في منتصف الشتاء يدعونها أيام الصوم، ثم بعدها يوم يسمونه يوم العيد.
والحج عندهم يكون لزيارة المراقد (الشريفة) لكبرائهم ومشايخهم(8).
«داعش» و«الكاكائية»
نسف تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ثلاثة من أهم مراقد «الكاكائية» الدينية في محافظة نينوى، وقد توعدهم التنظيم بالقضاء عليهم في قضاء داقوق التابع لمدينة كركوك(9).
حملهم السلاح
بعد أن سيطر تنظيم الدولة على مدينة الموصل في العاشر من يونيو 2014 شكّل الكاكائيون قوّة مسلّحة لحماية أنفسهم، وقد سعت الأحزاب الكردية الكبرى للسيطرة على هذه القوة المسلحة، والتي يتم تمويلها من قوات البيشمركة الكردية(10).
مواقع انتشارهم
هذه الطائفة لها وجود في غرب إيران، وشمال وشرق العراق، ويصعب تقدير عدد المنتمين إليها اليوم، فثمّة من يخفّض العدد إلى نصف مليون، وثمّة من يرفعه إلى ثلاثة ملايين، وثلاثة أرباعهم من الأكراد الإيرانيين، وربعهم من الأكراد العراقيين، ويُقدر الباحث في شؤون الأقليات في العراق سعد سلوم في كتابه «مائة وهم عن الأقليات» عدد الكاكائيين في العراق بنحو مائتي ألف(11).
هل هم مسلمون؟
يستخدم الكاكائيون التقية للحفاظ على حياتهم في وسط مجتمع مسلم يحيط بهم، فيقولون بأنهم مسلمون.
لكن الأستاذ الجامعي لقمان رشيد الكاكائي قد أفصح عما يستره الكثيرون فقال: تعتبر «الكاكائية» أو «اليارسانية» من أقدم الديانات الكردية في منطقة الشرق الأوسط، لكن -ومع الأسف- نحن وقبل تشكيل الدولة العراقية وحتى الآن نتعرض لإبادة أيديولوجية وبصورة مستمرة مبرمجة وممنهجة وليس من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية داعش فقط.
ويوضح الكاكائي أن الفكرة التعسفية ضد الأقليات الدينية في العراق بصورة عامة وضد الكاكائيين بصورة خاصة، كانت موجودة ولا تزال موجودة.
ويتابع الكاكائي: إثر هذه الظروف، بات قسم منا يقولون: إنهم مسلمون بسبب الخوف والتهديد.
ومع الأسف لم تستطع حكومة إقليم كردستان أن تقدّم لنا ضمانات حتى نشعر بالأمان ونجهر أنّنا ديانة خاصّة(12).
بين العشيرة والنحلة
يذكر عدنان السيد آغا الكاكائي رئيس الكاكائيين فى إيران والعراق سابقًا أنهم «ليسوا دينًا أو ملة أو مذهبًا، وإنما هم قبيلة، وتعرف باسم الكاكائية»!
إلا أننا ذكرنا في أول المقالة معنى كلمة «الكاكائية»، وقد قال الأستاذ عباس العزاوي: إن «الكاكائية» طريقة، ثم انقلبت إلى نحلة، ودخلها التحول في مختلف الأزمان، ولم تكن قبيلة أو مجموعة قبائل أصلها واحد، وإنما هي نحلة تجمع قبائل تصوفية، وهؤلاء لا يحصون عددًا؛ فإن قبائلهم كثيرة وكبيرة، ولا تفترق عن سائر القبائل الكردية، فإن غالبها يسمى باسم المكان الذي نزله أو القرية التي حل بها، وهي منتشرة في إيران والعراق، وتحوي مجموعات تسمى قبائل(13).
هوامش
(1) انظر: الكاكائية في التأريخ لعباس العزاوي، ص(4).
(2) السابق، ص(31).
(3) الكاكائية من فرق العراق، مجلة الراصد، العدد الواحد والعشرون، ربيع أول 1426هـ.
(4) جماعة أهل الحق ديانة باطنية كردية تحظر حلق الشوارب لوسام سعادة، موقع رصيف 22.
(5) الكاكائية في التأريخ، ص(47).
(6) الموسوعة الميسرة، (2/728).
(7) الكاكائية في التأريخ، ص(62).
(8) السابق، ص(68).
(9) صحيفة العرب، 17/8/2017م.
(10) طائفة الكاكائيين الصغيرة في العراق تحمل السلاح على غرار “الكِبار” لمصطفى سعدون، موقع رصيف 22.
(11) جماعة أهل الحق ديانة باطنية كردية تحظر حلق الشوارب لوسام سعادة، وطائفة الكاكائيين الصغيرة في العراق تحمل السلاح على غرار «الكِبار» لمصطفى سعدون، موقع رصيف 22.
(12) موقع ارفع صوتك.
(13) الكاكائية في التأريخ، ص(31).