محمد نعمان الدين الندوي يكتب: أحلى وأطيب ثمرة!
يستمتع الإنسان بلذتها وحلاوتها استمتاعًا، واللسان يتذوقهما تذوقًا..، ولكن اللسان والقلم كلاهما يقصران -وإن أحسنا وأبلغا- عن وصف لذتها وحلاوتها وصفًا يكافئ حقيقتهما..
وما أكلت في الثمار ألذ لذاذة ولا أحلى حلاوة ولا أعذب عذوبة من ثمرتنا -التي تعنينا هنا- إذا كانت غضة طرية ناضجة حديثة العهد بالشجرة.
أجل.. إذا كانت حديثة العهد بالقطاف، قريبة العلاقة بالأغصان.. أو قطفها الإنسان -وقد اكتمل نضجها، وطاب إدراكها، وسال منها دبسها- من الشجرة، وأكلها لساعته.. فلا تسأل عن كيفية لذتها وشأن حلاوتها..
فبمجرد تصورها تتحلب الأفواه وتتلمظ الشفاه ويسيل اللعاب على الألسنة..
وحينذاك قد يُرضي آكلُها حاجتَه -منها- من الشبع، ولكن لا يكاد يقضي منها نهمته.. فهو كالمنهوم الرغيب الذي يمتلئ بطنه ولا تنتهي نفْسه..
وهنالك.. إن لفظة: «اللذة» قاصرة عن بيان كنه لذتها..، وكذلك كلمة: «الحلاوة» عاجزة عن وصف حقيقة حلاوتها..
ولعل خصائصها المتميزة الفريدة الفذة.. روحها وسرُّها في حلاوتها.. فحلاوتها الخاصة – فيما أرى – أروع وأشهى ما فيها..
ومن ثَم.. إذا قلت: إن الحلاوة تمثلت ثمرة فيها -في ثمرتنا المُتحدَّث فيها- لم أُتَّهم -كما أرجو- بالمبالغة في قولي…
لا تخلو منها مائدة أغنى غني.. ولا أفقر فقير.. (لا يغيبن عن البال أنني أتحدث عن الموائد العربية)
فهي – الثمرة – زينة المآدب وبهجة الموائد، إذا خلت منها عدت ناقصة غير كاملة.. وكأنها تنادي أصحابها: ويحكم.. أكملونا.. سدوا خللنا..
فإنها خير ما يضيف به المضيف العربي ضيفه..
وبمتناول كل أحد ثريّا كان أو فقيرا..
ورغيبة كل إنسان.. صغيرا كان أو كبيرا.. امرأة كان أو ذكرا..
جعلها الله تعالى حلوى وطعاما وشرابا وشفاء وصحة وقوة وبركة للناس..
نعم. إنها نعم الحلاوة للمنهومين بها، كما أنها طعمة الطاعمين وفاكهة المتفكهين.. وشفاء للمرضى في بعض الأمراض و-بعض أنواعها- حفظٌ من مس الشيطان وآثار السوء.
طيبة مباركة ورد ذكرها في القرآن، كما وردت فضائلها على لسان الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى..
فقد ضُربت شجرتها في القرآن مثلا للكلمة الطيبة ذات الأصل الكريم المتجذر في القلوب المؤمنة، وضربت في السنة مثلا للمؤمن المجسد للنفع، المتدفق الخير والعطاء..
أما أنواعها وألوانها وأحجامها فهي كثيرة وكثيرة… ولعلها تغطي عدة صفحات..
أما فوائدها فلا تعد ولا تحصى.. فهي مجربة مشاهَدة مصدَّقة منذ مئات السنين.. فيوصي بتناولها – الثمرة – كل طبيب وحكيم..
أما حدائقها ومزارعها، فأشهرها وأجودها -غالبا- في المناطق التي تعد أكثر المناطق -من أرض الله- خيرا وبركة لشرف اتصالها بالسماء عبر الوحي والقرآن.
من هنا.. فهي تعد أغلى وأيمن هدية – بعد ماء زمزم – تُقَدَّم من العائد من الرحاب الطاهرة إلى أبناء بلده.
أيها القراء! لست بحاجة إلى أن أسمي الثمرة المشار إليها..، فلم تعد «الثمرة» لغزًا يحتاج حله إلى إعمال الفكر أو إتعاب الذهن.. فمزاياها -التي ذكرت بعضها- قد كشفت اللثام عن مسماها.. وأوضحت خفاءها..
فالقراء الكرام يكونون قد فطنوا للثمرة -المتحدث فيها- في السطور الماضية..
إنها ثمرة: «التمر» المباركة.. الثمرة الطيبة الخالدة.. التي ظل النبي صلى الله عليه وسلم يتناولها طول حياته، ورغّب أمته في تناولها في العديد من أحاديثه الشريفة، وندبهم إليها، وعدد فوائدها الدينية والصحية.
فهي – التمر – خير كلها، وبركة كلها، فلا يُستغنى عنها ولا يُزهد فيها..
فمن أراد الصحة والقوة والشفاء.. فعليه بالتمر. فإنها تحافظ على شبابه وقوته، وتملؤه – دائمًا – حيوية وانتعاشًا وارتياحًا..
ومن أراد الأجر والثواب.. فعليه بالتمر…
ففي تناولها -إلى منافعها الكثيرة- أجر العمل بالسنة، ورضا الرسول صلى الله عليه وسلم
والمثل الفارسي: «هم خرما وهم ثواب» ينطبق على ثمرتنا – لغةً وحرفًا وواقعًا واستعمالًا واصطلاحًا – خير انطباق..
فترجمة المثل الحرفية: [التمر وأيضا الثواب].. ويستعمل في العمل الذي فيه: المتعة والثواب.. واللذة والأجر.. أي: النافع دنيا ودينا… أو قل: العمل الذي يحمل خيري الدنيا والآخرة..
وثمرتنا: {التمر} تحمل كلا النوعين من الخير: الديني والدنيوي.. وكفى بذلك خيرا!
(الاثنين: ١٢ من شوال ١٤٤٥ھ – ٢٢ من أبريل ٢٠٢٤م)