الأحد مايو 19, 2024
مقالات

من وحي الأيام:

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: احتفالات العيد في مكة المكرمة قبل نحو قرن

تكرم الأستاذ محمد بن فرج الجهني (مستشار الأمن والسلامة سابقا/ أرامكو السعودية) فأتحفني (أمس: السبت: ٣ شوال -حسب التقويم الهندي- ١٤٤٥ھ – ١٣ من أبريل ٢٠٢٤م) بـ: «رحلة المعايدة لأهلنا في أملج»، التي ذكر فيها زيارته لبعض أقربائه، يعايدهم ويهنئهم بالعيد السعيد..

فرددت عليه بما يلي -بتعديل يسير-:

«ما شاء الله.. رحلة مباركة.. فياضة بمشاعر الحب والاحترام لذوي الأرحام، شافّة عن عواطف الحرارة لأهل القربى والقرابة ومراعاةٍ حقوقهم من التزاور والتواصل، ومشاركتهم الأفراح بمناسبة العيد السعيد.

وهذه قيمة عيدية إسلامية عريقة تكاد تفقد قيمتها وأهميتها.. بل تكاد تحتضر.

فلا بد من رد اعتبارها وقيمتها..

ورحلتكم هذه في سبيل ذلك..

فأكرم بها من رحلة.. وموفق مبارك صاحبها».

الحقيقة أن «رحلة المعايدة» الجهنية هذه ذكرتني برحلة جدي الشيخ المقرئ الكبير محمد حميد الدين السنبهلي رحمه الله (١) التي قام بها لبلاد الحرمين الشريفين سنة ١٣٥٣ھ – ۱۹۳٤م، لأداء الحج، وقضى رمضان كله في مكة المكرمة وعيّد بها، فذكر أفراح العيد المكي واحتفالاته، وسأنقل إلى القاريء مقتطفات مما كتب فيما يتعلق بعيد مكة المكرمة، يقول:

«انقضى رمضان المبارك في خير وعافية وبركة، وازدادت الأسواق بهاء وازدحاما في الأسبوع الأخير من رمضان، فلا فرح في مكة – طوال السنة – إلا فرح العيد فقط.. فيحتفل به احتفالا خاصا، ويلبس أهل مكة ملابس غالية، كما يستعملون أشياء ثمينة بمناسبة العيد، وترى في السوق حركة من البيع والشراء على قمتها في المساء والليل خاصة.

وفي البداية كانت تعذرت رؤية الهلال، فكان الإمام بدأ التراويح، فبينما كنا قد صلينا ١٨ ركعة من التراويح، إذ جاء قاضي القضاة ووقف عند الإمام، وأخبره بأن الهلال قد ثبتت رؤيته، وغدا العيد إن شاء الله.. فهلل الناس وكبروا وشكروا الله تعالى على ما أنعم عليهم بإكمال شهر رمضان المبارك».

ثم يصف الجد رحمه الله صباح يوم العيد قائلا:

«الله أكبر.. ما كان أروعه وأجمله من منظر.. العرب لابسون ملابس عربية جيدة.. وغير العرب بملابسهم الرائعة بمختلف أشكالها وأنواعها.

وكان الجميع -عربهم وعجمهم- مصطفين في أدب ووقار في بيت الله العتيق، خاضعة رؤوسهم، منحنية جباههم، شاكرين لله على ما أنعم عليهم بهذه النعمة العظمى، المتمثلة في أن قدر لهم صلاة العيد في الكعبة المشرّفة..

فاكتملت صلاة العيد أحسن وأروع وأعظم ما يكون.. ثم عاد جميع المصلين من الحرم».

ثم يلقي الجد رحمه الله ضوءا على طريقة احتفال أهل مكة بأفراح العيد قائلًا:

«يُحتفل بالعيد في مكة نحو أسبوع، والمكاتب الحكومية أيضا تكون مغلقة طوال الأسبوع، وأيام الاحتفال بالعيد معينة لكل حي، فللحي الفلاني يوم كذا.. وللحي الفلاني يوم كذا.

أي لكل حي يوم خاص بهم توارثوه وتعارفوه منذ قديم للاحتفال بالعيد.. فأهل ذلك الحي -الفلاني مثلا- يتواجدون في بيوتهم في اليوم الخاص بهم للاحتفال بالعيد، ولا يخرجون من حيهم، فيزورهم أهل الأحياء الأخرى ويعايدونهم، ويضيفهم أهل الحيّ بـ: «الحلاوة الإنجليزية» (لعله يعني: الشوكولاتة) والشاي والقهوة، وهكذا تستمر احتفالات العيد أسبوعا كاملًا في أبهة وفخفخة».

وبعد. فمما علمنا أساتذتنا ومربونا أن لا يضن الإنسان بالاعتراف بالجميل ورد الفضل إلى أهله.

فأقول: إن هذه السطور ثمرة من ثمرات: «رحلة المعايدة» لأخينا المفضال الكاتب السعودي الكبير الأستاذ محمد بن فرج الجهني.

فللأستاذ الجهني من كاتب السطور الشكرُ والتقدير.. فلو لم يمتعني برحلته العيدية الماتعة لما تحرك القلم، وما سطرت هذه السطور.

وكل عام وأنتم بخير!

الهوامش:

(١) كان من كبار مقرئي الهند (١٣١٠ – ١٣٧٧ھ) ، تخرج من دار العلوم / ديوبند، وكان من تلامذة العلامة أنور شاه الكشميري رحمه الله.

كما كان حصل على شهادة القراءة والتجويد من المدرسة الصولتية بمكة المكرمة، وتتلمذ فيها على شيخ المقرئين الشيخ عبد اللطيف خلال رحلته للحج.

وكان والدي الشيخ محمد برهان الدين السنبهلي (١٩٣٨- ٢٠٢٠م) الذي قام بتدريس أمهات الكتب في العلوم الشرعية في ندوة العلماء نحو نصف قرن، قام بإصدار رحلة الجد ١٤١١ھ باسم: «رحلة الحج قبل نصف قرن» ويزدان بمقدمة قيمة دبجها يراع سماحة الشيخ الإمام أبي الحسن الندوي رحمه الله.

(الأحد : ٤ من شوال ١٤٤٥ھ – ١٤ من أبريل ۲٠٢٤م )

Please follow and like us:
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب