بحوث ودراسات

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: الأدب الإسلامي (٢)

على مائدة العلم والأدب:

تعريف الأدب الإسلامي

هو التعيير الفني الهادف الصادر من أي جنس أدبى عن أديب مسلم يمثل التصور الإسلامى للموضوع حين إنشائه، هذا التعريف للشاعرة المكية إنصاف بخارى، أما الدكتور ابراهيم بن عبد العزيز الدعيلج فله تعريف أكثر تفصيلا، يقول: هو التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب، تعبيرًا ينبع من التصور الإسلامي للخالق -عزوجل- ومخلوقاته، وهو -الأدب الإسلامي- أدب هادف، لا يكتفي بجمال التعبير وإبداع التصوير، إنما يشترط فيه أن يكون ممتعًا نافعًا، فهو يشمل الإنسان والحياة بكل ما فيها، وهو ليس مقصورًا على الموضوعات الدينية فحسب، بل يشمل جميع المجالات، ويعالج جميع قضاياه، وهو يلبي حاجات النفوس المؤمنة إلى أديب نظيف يغذي إيمانها ويزكي فطرها.

مفهوم الأدب الإسلامي عند الطنطاوي:

وهناك مفهوم آخر للأدب الإسلامي بينه الأديب الشهير علي الطنطاوي قائلاً:

” لا يزال في الناس من يختلط عليه أمر تعريف الأدب الإسلامي، ويدخل فيه كتابات إسلامية ليست أدبًا، وكتابات أدبية ليست موافقة للإسلام، والذي أفهمه أنا بذهني الكليل وفهمي القليل أن الأدب الإسلامي هو ما كان أدبًا مستكملًا شرائطه جامعًا عناصره، وسواء في ذلك أ كان ذلك قصيدة أم كان قصة، أم كان مسرحية أم كان رواية، فالشرط فيها أن تكون بالميزان الأدبي راجحة لا مرجوحة، وأن يكون الأثر الذي تتركه في نفس قارئها إذا انتهى منها مرغبًا له في الإسلام، دافعًا له إلى الاقتراب منه، لا أن تكون بحثًا فقهيًّا، ولا تاريخيًّا، ولا شرح حديث، ولا تفسير آية، فهذا كله ليس أدبًا، وإن كان شيئًا أغلى وأثمن وأعلى من الأدب ” (١)

هل يُعتبر الأدب المتفق والتصور الإسلامي أدبًا إسلاميًّا؟

 الأدب المتفق والتصور الإسلامي هو أدب موافق، ويمكن أن نطلق عليه هذا المسمى، لأن من المقرر أن المرء لا يصدر فيما يقول ويفعل إلا عن عقيدة يؤمن بها، فالدين هو المحرك لعواطف الأديب، وهو الموجه لأغراضه والمسيطر على فكره وتوجهاته، والإسلام هو دين الفطرة، لا يند عنها ولا يشذ….، والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، دون اختلال أو اعتلال، وبالتالي فهو ارتباط مقدس غدا – بفضل العقيدة – عملًا صالحًا في دنيا الناس والعلم، فإن التصور الصحيح للكون والإنسان والحياة، والاعتقاد السليم في الله والأنبياء والملائكة والرسل والكتب السماوية لا يكون إلا في الإسلام دون تحيز أو تضييق، ومن ثم.. فالأدب الإسلامي هو نتاج الأديب المسلم، وما سواه أدب موافق أو مشترك أو قريب أو صحيح أو أي مسمى آخر، فنحن لا نحتكر الحقيقة والصواب لحسابنا، إنما هي ملك لكل من تبناها بشروطها. (٢)

معنى مقولات تدعو إلى فصل الأدب عن العقيدة:

أما بعض المقولات -المنسوبة إلى بعض السلف- التي تدعو إلى فصل الأدب وعزله عن الدين والعقيدة، كمقولة القاضي الجرجاني: «إن الدين يجب أن يكون بمعزل عن الشعر»، ومقولة الأصمعي التي انساق وراءها ابن قتيبة وغيره حيث يقول: «الشعر نكد بابه شر، فإذا دخل في الخير ضعف “، هذه المقولات تحتاج إلى إعادة النظر فيها.

فقول القاضي الجرجاني جاء تعليقًا على إسراف بعض النقاد في الحكم على الشعراء من خلال فهمهم الخاص للدين، ففي القرن الرابع الهجري واجه بعض النقاد المتنبي، وعابوا عليه مبالغاته التي تتكئ على مفهومات عقدية، وقد أسرف هؤلاء النقاد في مهاجمته حتى أسقطوا شعره عامة، ونفوا عنه الشاعرية، ولا شك أن هذا الأمر قد أحنق القاضي الجرجاني ودفعه إلى كتابة ما كتب.

وهذه المقولة بمعناها الذي أشرنا إليه تنسجم مع التصور الإسلامي، فالإشادة بالتجربة الأدبية لمجرد أنها احتوت على مضامين إسلامية، على الرغم من خلوها من مقومات الفن الجيد، أمر يتنافى مع واقعية الإسلام ومنطقه في التحلي بالموضوعية، كما أن الغض من شأن شاعر كبير كالمتنبي وأخذه بالشبهات أمر يتنافى مع الموضوعية التي أرسى الإسلام دعائمها.

وعلى هذا… فلا يصح الفصل بين الأدب والدين في الفكر الإسلامي، بل يجب أن يلتحم الأدب بالدين، ولا تعارض مطلقًا بين القول الجميل الرائق والأدب الجميل وبين القيم والآداب التي يدعو إليها الإسلام.

لقد قدر الإسلام الكلمة.. خاصة الكلمة الشاعرة المسؤولة التي تسهم في تهذيب الذوق وبناء المجتمع بناء سليمًا. قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} (إبراهيم / ٢٤-٢٥).

وعلى ذلك يجب على الأدباء أن يراعوا خطورة الكلمة وأثرها في النفوس، فلا يضمنوا أعمالهم ما يتنافى مع توجيهات القرآن الكريم والسنة، خاصة في مجال العقيدة الإسلامية حتى تؤتي كتاباتهم ثمرتها المرجوة بإذن الله تعالى، وليس هناك تعارض أبدًا بين حرية الأديب وبين العقيدة الإسلامية، بل العكس من ذلك نجد العقيدة تمد الأديب بالتصورات والأفكار الكافية التي تفسر له سر وجوده، وحقيقة الحياة والكون وما بعد الحياة. (٣)

موقف الأدب الإسلامي من المذاهب الأدبية:

الأدب الإسلامي لا يرفض المذاهب الأدبية الأخرى بالجملة، بل يتعامل معها بانفتاح، ولذلك يقبل بعض الأشياء، إذا وجدها غير هادفة لهدم القيم والأخلاقيات، ولهذا يتلقى ما يسمى بـ: «شعر التفعيلة»، وما يسمى بـ: «الشعر المنثور»، لكننا لم نقبل بعض الأشياء من الرومانسية، رغم أنها تلتقي معنا في كثير من الأشياء، ولدينا شيء من الواقعية، لكنها ليست الواقعية الاشتراكية، أو الليبرالية الموجودة الآن، والتي تحاول التركيز على الغرائز الإنسانية، ونستفيد من جميع هذه الأجناس الأدبية فلا نرفضها بالجملة، لكننا نرفض فلسفتها التي قامت عليها.

فإذا قالت الواقعية إن الإنسان حيوان، وإننا يجب أن نصور لحظات السقوط ونضخمها، ونجري عليها عمليات التجميل والتزيين، وأن نقدمها على أنها نفق الحياة، فإننا نرفض الواقعية، لكن إن كانت الواقعية تريد أن تنقل حياة الإنسان الفقير المكافح والطالب المكافح فأهلًا بها.

فالأدب الإسلامي لا يرفض من الواقعية إلا ما قام على فلسفة إلحادية، وهذا يكون موجودًا في المذاهب النقدية والحديثة خاصة، والتي تريد إلغاء الثوابت، فكل من يريد إلغاء الثوابت فهو يريد إلغاء الأديان وعلاقة الإنسان بخالقه، بل إلغاء إنسانية الإنسان، فالإنسان يقوم على هذه الثوابت، فلا بد من احترام الماضي فلا نسمح لأحد بإلغاء الهوية والعقيدة والتاريخ والدين والانتماء واللغة، وأن يجعلها شيئًا مزيفًا، يلعب به كما يشاء.

كما نرفض الشيوعية والحداثة، لأن هذا عبث وفوضى، فالأدباء المسلمون يحترمون كل إنسان اعتز بالصدق الأدبي، الفني، والتاريخي، والديني، ومن ثم يقبل منه ما يقبل، ويرفض ما يرفض، لكن الحداثيين يريدون إلغاء العقل والتاريخ والحضارة واللغات، وإحداث فوضى إنسانية لا تخدم إلا الصهيونية حقيقة، والتي تريد تحويل البشر إلى حيوانات وببغاوات، ثم بعد ذلك توجههم لأهدافهم، فالشيوعية والحداثة يلتقيان في النهاية لخدمة الصهيونية. (٤)

(يتبع)

الهوامش:

(١) ذكريات علي الطنطاوي ٨/ ١١٥، دار المنارة للنشر، جدة، السعودية. الطبعة الأولى، ١٤٠٩ ھ – ١٩٨٩م ۔

(٢) إنصاف بخاري: مجلة (المجتمع) ١٤ جمادى الثانية ١٤٢٥ھ ۔

(٣) وجيه يعقوب: مجلة (الرابطة) رابطة العالم الإسلامي، ذو القعدة ١٤٢١ھ ۔

(٤) د. عبد الحليم عويس (رئيس تحرير مجلة: «التبيان» المصرية سابقًا): جريدة (العالم الإسلامي)، مكة المكرمة، ٥ ربيع الثاني ١٤٢٥ھ ۔

(ليلة الأربعاء: ٣ من جمادى الأولى ١٤٤٦ھ – ٥ من نوفمبر ٢٠٢٤م)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى