مقالات

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: دور الشخصيات في إعداد الرجال

[فيما يلي مقدمة كتابي: «شخصيات أعجبتني» الذي صدر حديثًا].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله العظيم.

 وبعد. الذين يتابعون كتاباتي المتواضعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعرفون أنني كنت بدأت سلسلة: «شخصيات أعجبتني» قبل نحو سنة ونصف، وكانت الحلقة الأولى من هذه السلسلة عن الشيخ عبد الله بن باز رحمه الله، وكنت قلت في بداية الحلقة: «أولاً ينبغي -وأنا أدشن هذه السلسلة الجديدة من: «شخصيات أعجبتني» أن أوضح بأنني لست أريد كتابة التراجم أو السير لمن أتحدث عنهم – من العلماء أو الأدباء أو الأساتذة أو الزعماء- في هذه السلسلة، وإنما أقصد أن أتعرض لجوانب بارزة من حياتهم من خلال مشاهداتي وتجاربي ولقاءاتي معهم، وأسجل انطباعات عابرة عنهم، أسفرت عنها زيارتي لهم، أو قضاء ساعات معهم، أو رؤيتي إياهم عن كثب، أو تتلمذي لهم، أو تأثري بإنتاجاتهم العلمية والأدبية، أو إعجابي بجلائل أعمالهم من حياتهم النموذجية».

كان أساتذتنا حفظهم الله ورحم من توفي منهم، يحثوننا على قراءة تراجم العظماء، فإن في حياتهم الكثير مما يرشد الناشئ إلى ما يرجو ويطمح إليه من الخير والنجح فيما يستقبل من الأيام، فالسراج بالسراج يستنير، والشخصية بالشخصية تهتدي وتتكون..

وإذا رأينا حياة العظماء والقادة، وجدنا أن وراء معظمهم شخصية ما.. وكما يقال: (وراء كل عظيم امرأة).

 فالشخصية لا تتكون -عادة- إلا بتربية المخلصين المؤهلين وفي ظلال رعايتهم وعنايتهم.. أو النظر في حياة من سلف من الجهابذة والعباقرة، والائتساء بأسوتهم والحذو حذوهم.

ومصاحبة العظماء في حياتهم، أو عبر قراءة أحوالهم بعد مماتهم، تبعث في النفس الطموح والثقة، وفي الفكر العمق والسعة، وفي العمل الجدة والابتكار، وفي القلب التوق إلى المعالي، والعيش في الصدارة، لا العيش على الهامش، أو كالأثر في المتحف.

وإن مجرد القراءة أو الذكاء لا يصنع معجزة، ولا يُعِدّ رجالا، ولا يُكَوّن شخصية…

بل – بالعكس – مجرد القراءة بدون التتلمذ لأساتذة بارعين، والثقة الزائدة بالنفس، والاعتماد على الذكاء الشخصي قد يؤدى إلى الانحراف أو التسكع في متاهات فكرية لا يعلم مداها إلا الله…

فمن هنا.. تتجلى أهمية المرشد المربي، والأستاذ المخلص و(شخصية هادية).

فلا غناء عن شخصية.. ولا غناء عن مُرَبِّ حكيم، ولا بديل عن أستاذ ماهر مخلص..

وأنا أهيب بالشباب والطلاب أن يتخذوا لهم قدوة ومثلاً أعلى.. يستشيرونه في مطالعاتهم ودراساتهم، ويستر شدون بآرائه، ويستنيرون بتجاربه.

 فالحياة بدون راع وهاد ومرشد حياة غير مستقيمة.. ومُعرَّضة للضياع أو الخسران، أو الذوبان، أو التيه هنا وهناك..

فمن هذا المنطلق.. -منطلق أهمية الشخصية ودورها في صنع الرجال- كنت بدأت سلسلة: “شخصيات أعجبتني..، وقد حظيت -والحمد لله- السلسلة من ترحيب القراء الكرام واستحسانهم ما دفع الكاتب إلى مواصلة الكتابة عن العديد من الأعلام من الهند وخارجها. واقترح بعض الإخوة طبع ما نشر تحت هذه السلسلة، فإن حياة المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي قليلة وغير مأمونة.. وما يُطبع يَسلَمُ من الضياع، ثم الاستفادة بالمطبوع المنشور -ورقيا- أسهل، والوصول إليه بمتناول يد كل من شاء الاطلاع عليه، فالاقتراح كان جديرا بالعناية، فصح عزمي على الطبع، فها أناذا أقدم هذه المجموعة إلى القراء الأفاضل.

علما بأن هذه المجموعة لا تحتوي جميع ما نشر تحت هذه السلسلة، بل انتقيت منها طائفة مختارة من الشخصيات التي كتبت عنها ونشرتها على منصات الوسائل الاجتماعي، عبر مدة لا تتجاوز سنة والنصف.

 ومما يجدر بالذكر -كذلك- أنني رتبت الشخصيات وفق ترتيب سنوات مولدها، فأقدم شخصية مولدًا هي الشخصية الأولى، كما أن أحدث شخصية مولدًا هي الشخصية الأخيرة في المجموعة، وبين الأولى والأخيرة يتوالى عرض الشخصيات حسب سنوات الميلاد.

والله أسأل أن ينفع بهذه المجموعة كاتبها وقراءها، إنه سميع مجيب.

(الأحد: ٤ من ربيع الأول ١٤٤٦ھ – ٨ من سبتمبر ٢٠٢٤م).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى