الأحد مايو 19, 2024
مقالات

من وحي الأيام:

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: عيد الحياة.. أو عيد الأعياد…!

العيد يعود كل سنة، والإنسان يمر به العيد مرات – حسب سنوات عمره -.

والعيد أكبر رمز للفرحة والسرور، والسعادة والحبور.. يأتي كل سنة ليعيد إلى الإنسان المجهود المكدود.. الإنسان المتألم.. الإنسان الكادح في سبيل الحياة.. الإنسان المثقل بأنواع من المشاق والمتاعب… ليعيد إليه بشره وهناءه، وابتسامته وسعادته، أو قل: ليجدد بشره وهناءه، ويخفف من معاناته وآلامه، ويقلل من منغصات حياته ومعكرات صفائه.. ليجدد له معنى الحياة.. ليملأ الإنسان حيوية وطراوة، ونضارة وسعادة.. لينسيه -ولو لساعات معدودات- متاعب الحياة، وآلام الطريق، ليزوده بالفرحة القلبية.. والطمأنينة النفسية.. والمتعة الروحية.. والهدوء الذهني..

فالحقيقة: العيد من نعم الله الكبرى ومن آلائه الجسام..

فلو لا العيد لما كان للسعادة والسرور معنى.

فهو – العيد – يقرب البعداء -بعضهم إلى بعض- مكانًا ومعنى، ويؤلف بين القلوب، ويعطي فرصة طيبة مباركة للتزاور والتقارب، والتواصل والتراحم، والتجالس وتجاذب أطراف الحديث.

نعم. إنه -العيد- يعمٌق روح الأخوة والمحبة، ويضيٌق المساحات والفواصل، ويحلٌي الأفواه والألفاظ، ويعيد إلى الحياة رونقها وبهاءها، وجمالها وجلالها..

هذا العيد السعيد مر بحياتي مرات وكرات.. بجميع روائعه ومعانيه.

ولكن العيد الذي كان -في الحقيقة- عيد الأعياد في حياتي، وأعظم الأعياد بركة وبهجة وسعادة..

ذلك العيد الذي عيّدته بعيدا – آلاف الأميال – عن الأهل والوطن…

ولكن ذلك العيد كان ألذ عيد عندي، وأعز عيد علي، وأحب عيد إلي..

آه ذلك العيد…

 فلم يتيسر لي مثل ذلك العيد مرة أخرى في حياتي…

ذلك العيد الذي شعرت فيه بحلاوة العيد الحقيقية شعورا لم أشعر به قط في حياتي.. لا قبله ولا بعده…

صدقوني أيها القراء الأعزاء. لا أكاد أجد تعبيرا عن وصف لذة ذلك العيد الأعظم الأهنأ من حياتي.. وبيان سروره، وما كان حمل معه من مشاعر الاعتزاز والافتخار، والانبساط والابتهاج.. ما لم يأت بمثله عيد آخر قط…

ومتى كانت الألفاظ قادرة -بشكل أدق وأكمل- على نقل العواطف والأحاسيس إلى القرطاس، فكيف ينقل الإنسان إعجابه بالطبيعة؟

كيف يصف الشمس وهي تطلع؟ والنجوم وهي تتلألأ.. والأزهار وهي تتفتح.. والطيور وهي تشدو.. والأشجار وهي تثمر؟

 أو كيف يعبر عن حب استبد به، أو غضب استفزه، أو رحمة ملكت مشاعره، أو سرور خالط روحه.

و هو يعجز – كذلك – عن وصف الهم إذا عمل في رأسه، والألم إذا برٌح به.

فالألفاظ لم توضع لشيء من ذلك، إنما وضعت لنقل مقدمات ونتائج منطقية..

كذلك لا أستطيع أن أصف فرحة وسعادة ذلك العيد التاريخي الذي لم ولن أنساه ما دمت حيا..

 على كل.. لا أريد أن امتحن -أيها القراء- صبركم كثيرا..

فالآن أبوح لكم بسر ذلك العيد الأغر الأبلج الأعز الأحب.. العيد السعيد حقا.. وبكل معنى الكلمة.. العيد الفذ الفريد من حياتي.

إنه العيد الذي كان في ريعان شبابي.. في فجر هذا القرن.. وتحديدا سنة ١٤٠٥ ھ.

إنه العيد الذي عيٌدته بجوار سيد الأولين والآخرين.. بجوار أحب الخلق إلى الله وإلى الناس أجمعين..

بطيبة الطيبة: المدينة المنورة على صاحبها ألف ألف تحية وسلام..

فلا تسألوا -أيها القراء الأفاضل- عن مسرة ذلك العيد.. وسعادة ذلك العيد.. وروحانية ذلك العيد.. ولذة ذلك العيد..

ولِم لا تجتمع هذه المعاني في ذلك العيد؟

فهل هناك أحب إلى مسلم من أن يحتفل بالعيد في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي شرع لنا هذا العيد.. وهدانا إلى كل ما فيه سعادتنا وفرحتنا، فجعل حياتنا كلها عيدا وسرورا.. إذا ما قضيناها في ضوء كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

فوالله إن لعيد المدينة المنورة نكهة طيبة خاصة عبقة، وفرحة لا تقاس، وجمالا لا يوصف، وشأنا لا يكون لعيد أي منطقة ولا مدينة..

هذا شيء يصدقه كل من شرفه الله بالاحتفال بالعيد في المدينة المنورة.

وقصة ذلك العيد أننا – نحن طلاب الندوة المبتعثين إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – قد كنا تخرجنا في شعبان ١٤٠٥، وكانت هناك إجراءات روتينية للعودة النهائية، فقررنا أن نقضي نصف رمضان في مكة المكرمة، ونصفه الأخير بالمدينة المنورة، ونعيٌد بها، لأن الإخوان الذين كانوا تذوقوا لذة التعييد في المدينة المنورة رغٌبوا إلينا أن نعيٌد بالمدينة المنورة، فلعيدها طعم خاص، ومتعة أي متعة.. ولذة لا يشعر بها الإنسان في أي مكان آخر… فقررنا أن نعيٌد في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومما يجدر بالذكر أن الهلال كانت تعذرت رؤيته في البداية، فما كان أعلن للعيد بعد صلاة المغرب، فصلينا العشاء والتراويح في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبينما كنا نستعد للعودة إلى مهاجعنا، إذا بالمدافع تدوي طلقاتها في الفضاء.. مبشرة بطلوع هلال العيد.. فهلل زوار المسجد النبوي الشريف – المتواجدون فيه آنذاك – وكبروا، وهنأ بعضهم بعضا بالعيد، وشكروا الله سبحانه على أنه رزقهم العيد في مدينة نبيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فكانت الفرحة أضعافا مضاعفة.. فرحة العيد في المدينة المنورة.. وفرحة المفاجأة بإعلان العيد.. فرب مفاجأة سارة.. وما بالك إذا كانت هذه المفاجأة في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما بالك إذا كانت تلك المفاجاة تتعلق بالعيد..

فهناك تتعانق الأفراح، و تجتمع السعادات، و تكتمل المسرات..

و الحقيقة انني كلما مر بي العيد.. فأتصور عيد المدينة المنورة، و أتخيله في مخيلتي، فتتضاعف مسرة عيدي، و تكتمل سعادتي.. و تتجدد هذه الذكرى العطرة.. ذكرى العيد المدني، الذي كان: “عيد الأعياد”، و”سيد الأعياد”، و “مفخرة الأعياد” أو : عيد الحياة بالنسبة لي.

فيا له من عيد.. و يا لها من سنوات مباركات قضيناها في الرحاب الطاهرات، في المدينة المنورة، التي تشرفت بالرسول صلي الله عليه وسلم مرتين: مرة في حياته صلى الله عليه وسلم، و مرة بجسده المبارك في ثراها الطاهر..، المدينة التي يحس كل من يزورها أن كل مكان فيها، و كل جبل، و كل حائط يحدثه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، و يتلو سيرته. .

لك الحمد و الشكر يا رب على تلك النعمة، نعمة الإقامة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع النعم التي أنعمت بها علي.. وما أكثرها…!

هذا. والحمد لله الذي أتم علينا شهر رمضان، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال.

 وأهنئكم بحلول عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالصحة والعافية.. وكل عام وأنتم بخير..

كما نسأله سبحانه أن يعيده علينا العام القادم.. والأمة الإسلامية تكون قد استردت مجدها التليد وعزها السالف.. وتجاوزت محنها وآلامها، وخفقت راية التوحيد في جميع أنحاء المعمورة، وما ذلك على الله بعزيز، و هو على كل شيء قدير.

والله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد.

(الاثنين: 30/ رمضان 1443 ھ – 2 من مايو 2022م)

Please follow and like us:
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب