أقلام حرة

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: منهجي في كتابة المقالات ونشرها

على مائدة العلم والأدب:

[هذا المقال -أصلًا- مقدمتي لكتابي: «صيد القلم»، الذي كان تكرم بطبعه ونشره زميلي النبيل فضيلة الشيخ محمد فضل الرحيم المجددي في سنة ٢٠١٥م .

بينت في هذا المقال منهجي الكتابي، معرجًا على قصتي مع العربية، ومشيرًا إلى الظروف التي كتبت فيها مقالات هذا الكتاب.

إنني إذ أعيد نشر المقدمة بعد تعديل يسير، لأرجو أن لا تثقل على القراء، فلعل في بعض ما تحتوي ما يكون مفيدًا للطلاب والشباب.. إن شاء الله!]

الحمد لله العلي الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.

فهذه نبذة مختارة مما صدر عن قلمي المتواضع -عبر أكثر من ربع قرن من الزمن- من البحوث والمقالات التي نشر معظمها في مجلة «الصحوة الإسلامية» التي يرأس تحريرها كاتب هذه السطور منذ صدور عددها الأول سنة ١٤٠٩ھ ۔

هذا.. وإن صلتي بالعربية كانت قويت ونضجت واستوثقت عراها، وبلغت أشدها -إذا صح هذا التعبير- حُبّاً لها، وكلفًا بها، وحنينًا إليها، ورغبة صادقة في الحصول عليها، والتمكن منها، ومحاولة جادة لتذوق جمالها، وإدراك خصائصها وأسرارها، حينما كنت طالبًا بندوة العلماء -بلكناؤ، الهند- في أواسط السبعينيات ومطالع الثمانينيات من القرن الماضي الميلادي، وقررت – في حينها- جعلها -العربية- هوايتي المفضلة، وشغلي الشاغل، وأسمى طموحاتي وتطلعاتي.. لكونها -العربية- لغة مباركة فضلها الله على غيرها من اللغات، ونطق بها- سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولأنها يتوقف عليها فهم الكتاب والسنة والتراث حق الفهم، ومن آنئذ اشتغل – والحمد الله – بالعربية قراءة ومطالعة، ثم كتابة وتأليفًا وتدريسًا.

ومنذ أن بدأت الكتابة أخذت نفسي بل ألزمتها بأن لا أنشر شيئًا إلا بعد أن أُنعِمَ في القراءة في الموضوع الذي أريد الكتابة فيه، وأذوق من مرارة الصبر والمصابرة والجد والاجتهاد ما أستطيع، وأغربل كل ما أكتب وأعيد النظر -بل النظرات- فيه، وأتأنّى في نشره، فلا أسمح لنفسي بنشر ما أريد نشره إلا بعد أن يقتنع ضميري العلمي بأنه الآن صار صالحًا للنشر، ولا يعني ذلك أن كل ما نشرت من كتاباتي كان أهلًا -فعلًا- للنشر، أو وصل إلى درجة الإتقان والكمال، لا.. وحاشا أن أتصور ذلك، ولكن ذلك يعني أن ذلك المنشور كان صالحًا عندي -في أمانة وصدق- للنشر، أما هو -المنشور من كتاباتي- كان صالحًا فعلًا للنشر أم لا؟ فللقراء الحكم في ذلك! وهم أحرار.. سواء يرضون به أولا يرضون! أما أنا فقد بذلت ما وسعني من الجهد، و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.

ومن هنا فإني إذ أقدم هذه المجموعة المنتقاة من كتاباتي المتواضعة إلى القراء الأفاضل، لا أدعي أنها «منتج قيم» أو «إضافة ثرة» إلى الحركة القلمية، أو الساحة الأدبية، وأن محتويات هذه المجموعة تتسم بالغزارة الغزيرة والجدة والطرافة والإبداع في الموضوعات المطروحة في صفحات الكتاب.

لا أدعي ذلك البتة..  ولكن أرجو وآمل بل أتوقع أنها – محتويات الكتاب – ترضي حاجات نفوس بعض طلاب اللغة العربية، وشباب الصحوة الإسلامية، ورجال الحركة الإسلامية العالمية، وتحظى بشيء من القبول لديهم، ولعلها تزودهم بمعلومات أو خواطر أو أفكار قد تنفعهم في مسيرتهم المباركة إن شاء الله!

ثم إن موضوعات محتويات هذه المجموعة تختلف اختلافًا ليس بقليل.. ولكن لعل القارئ الكريم يجدها مؤتلفة، يؤلف بينها -عمومًا- المضمون والفحوى، وتجمعها العاطفة والغرض، والمحاولة لتصوير الواقع المرير تصويرًا صحيحًا بقدر الإمكان، وتقديمُ الرؤية المعتدلة للقضايا، وعرض خصائص الفكرة الإسلامية عرضًا لا إفراط فيه ولا تفريط، والإشادةُ بما يستحق المدح من العمل أو العاملين، والإنكارُ على ما يستحق الإنكار من الظلم وأهله، وما إلى ذلك…

والفترة الأخيرة من القرن الماضي و الحاضر، كانت حافلة بالأحداث الساخنة مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ۲۰۰۱م ، وسقوط بغداد، وهدام المسجد البابري، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وما إلى ذلك من الأحداث الكبرى، فيجد القارئ -طبعًا- صدى لهذه الأحداث والقضايا -وغيرها- خلال محتويات هذه المجموعة، علاوة على المباحث الدينية  والإصلاحية والاجتماعية وغيرها.

على أن القارئ الكريم قد يجد بعض التعبيرات أو الأفكار متقاربة أو متشابهة أو مكررة في ثنايا الكتاب، فذلك لتشابه الظروف والأوضاع، وكون الضرورة داعية إلى إعادة التركيز على الأفكار والكلمات السابقة أكثر من مرة… وقديمًا قيل: التكرار يولد الاعتبار، والقرآن الكريم نفسه يذكر مضمونًا واحدًا أو قصة واحدة أكثر من مرة، وليس كل مكرّر أو معاد مستقبحًا، وهناك أشياء يستطاب تكرارها، وتلذ إعادتها، فـ «ما أحلى مذاق الشهد وهو مكرر»، وكما قال الشاعر العربي:

                     أعد ذكر نعمان لنا فإن ذكره

                   هو المسك مهما كررته يتضوع

داعيًا الله سبحانه أن ينفع بهذه المجموعة صاحبها وقراءها، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين.

محمد نعمان الدين الندوي

ندوة العلماء، لكناؤ، الهند

٧ من محرم ١٤٣٦ ھ = ٢٨من يناير ٢٠١٥م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى