أقلام حرة

محمود الشاذلي يكتب: عالم التزييف.. بين خداع البرامج وأقنعة البشر

في عالم الإعلام والترفيه، ينجذب المشاهد إلى البرامج التي تدّعي أنها تعرض الواقع بحقيقته، فتأخذ بيده إلى مشاعر متباينة من تعاطف، غضب، أو حتى دهشة.

لكن الصدمة الكبرى تأتي حين يكتشف أن كثيرًا مما شاهده لم يكن سوى تمثيلية محكمة، وأن الشخصيات التي تأثر بها لم تكن سوى ممثلين بارعين في أداء أدوارهم، سواءً كانوا على شاشة التلفاز أو في الحياة الواقعية.

كنت أتحدث مع شخص أعرفه منذ فترة، وفجأة اكتشفت أنه ظهر في برنامج “المسامح كريم” مع جورج قرداحي. كنت من متابعي البرنامج حينها،

وكنت أتعاطف مع القصص التي تُعرض فيه، لكن ما لم أكن أتخيله هو أن القصة التي رواها هذا الشخص كانت مجرد تمثيلية!

لم يكن هناك خلاف حقيقي، ولم يكن مظلومًا كما ظهر، بل تقاضى أجرًا لتمثيل الدور.

وهنا بدأ السؤال يلحّ عليّ: كم عدد القصص التي تأثرنا بها وصدّقناها لمجرد أنها عُرضت على شاشة التلفاز؟ كم مرة خدعنا الإعلام بقصص مفبركة ومواقف مصطنعة؟

الإعلام الموجَّه: من الترفيه إلى التضليل

القضية لا تتوقف عند البرامج الاجتماعية، بل تمتد إلى الإعلام بشكل عام،

حيث نجد شخصيات عامة كانت تتبنى فكرًا معينًا، ثم تنقلب عليه فجأة وكأنها لم تكن جزءًا منه يومًا ما.

خذ مثلًا الشيخ علي جمعة، الذي كان لسنوات طويلة يمثّل فكرًا دينيًا محافظًا، ثم انقلب تمامًا، وأصبح يبرر أشياء كانت محرمة لديه بالأمس.

لم يكن التغير تدريجيًا، بل قفزة مفاجئة، والأدهى أنه أصبح مقتنعًا تمامًا بأنه على الحق المطلق، رغم أنه يناقض نفسه!

وهنا لا أتحدث عن “تغيير القناعات” كأمر طبيعي، ولكن عن التناقض الصارخ، عن شخصيات تتحول 180 درجة دون أي مبرر منطقي، ث

م تجبر الآخرين على تصديق هذا التحول وكأنه حقيقة مطلقة!

هذه الظاهرة تظهر كيف أن بعض الأشخاص لا يكتفون بتزييف الحقائق للآخرين، بل يصل بهم الأمر إلى تصديق أكاذيبهم الخاصة،

وكأنهم يعيشون في فيلم هم أبطاله ومخرجوه، بينما المشاهدون مجرد متلقين لحبكة مختلقة.

كيف نحمي أنفسنا من الخداع؟

في ظل هذا العالم المليء بالتزييف، يصبح من الضروري على الفرد أن يتحلى بالوعي النقدي،

وألّا يأخذ كل ما يُعرض عليه كحقيقة مطلقة. وهنا بعض الخطوات التي يمكن اتباعها لتفادي الوقوع في فخ التضليل:

1- لا تصدق كل ما تشاهده أو تسمعه:

ليس كل برنامج واقعي هو كذلك، وليس كل شخص يبكي أمام الكاميرا مظلومًا حقًا.

2- تحقق من المصادر:

لا تعتمد على مصدر واحد للمعلومة، بل قارن بين مصادر متعددة وابحث عن الأدلة.

3- لا تنسَ أن الإعلام صناعة:

تذكر أن القنوات الفضائية والبرامج التليفزيونية تبحث عن الربح والمشاهدات، وقد تلجأ أحيانًا للدراما المصطنعة لتحقيق ذلك.

4- كن حقيقيًا في حياتك:

لا تجعل هذا التزييف الإعلامي يؤثر عليك، واحرص على أن تكون صادقًا مع نفسك ومع من حولك، لأن الصدق بات عملة نادرة في زمن الأقنعة.

الخاتمة: هل نحن أيضًا ممثلون؟

في النهاية، لا يقتصر التمثيل على شاشات التلفاز، بل تسلل إلى حياتنا اليومية. أصبح البعض يعيش في أدوار ليست له،

يقنع نفسه ويقنع الآخرين بأنه شخص مختلف عن حقيقته، حتى يصدّق الكذبة التي صنعها.

لكن يبقى السؤال الأهم:

هل نحن أيضًا وقعنا في هذا الفخ دون أن نشعر؟

هل أصبحنا جزءًا من عالم التزييف دون أن ندرك؟

أم أننا ما زلنا نملك القدرة على رؤية الحقيقة كما هي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights