مقالات

محمود عبد الجواد يكتب: ليست الدعوة وقفاً على المنابر

 هموم عابد

ارتقيتُ المنبرَ أول مرة منذ إحدى وثلاثين سنة في جامع بلدتنا الكبير، ولم أكن مستعداً، إذ أنَّ أخي عليه رحمة الله الإمام الشيخ/ عبدالحكيم كان قد كلف المؤذن بأداء الخطبة، فوجدته يأتي إليَّ ويقول لي بالله عليك أدِّ الخطبة فأنا غير مستعد، وكان يرتعد، فلم أتردد وصعدت ولم أشعر بأية رهبة وتكلمتُ عن الغيرة، وكأنني لم أجد موضوعاً غيره، فذكرتُ حديثَ حوريةِ عمرَ في الجنةِ التي رآها النبي ليلة الإسراء والمعراج فغضَّ بصرهُ لغيرةِ عمر وذكرت أمر الله بالستر لبني آدم ونهيه (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان- الأعراف) كما ذكرت أن الرجل الذي يترك زوجته وابنته وأخته يخرجن متبرجاتٍ لا يُعَدُّ من الرجال، وقصصتُ غيرة الأعرابي الذي قتل الدابة بعد إذ حلت عنها زوجته مخافة أن يمتطيَها العبدُ فيجد من دفء زوجته

وذكرت ندم أبي جهل لصفعه أسماء وكيف قال لرفيقه “اكتمها عني” وكيف لم يدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة. حتى لا يروع بنات محمد مخافة أن تعيره العرب

وعقدت مقارنة بسيطة بين هؤلاء وبيننا ولأنها كانت أول خطبة فإنني لم أقدر للوقت قدره وإذ بأخي رحمه الله الذي أدى الخطبة في بلدة مجاورة وشرب الشاي مع عمدتها ثم جاء فوجدني مازلت على المنبر متخطياً حاجز الساعة والثلث

فظن رحمه الله وحسبت أن الناس سوف يضربونني بعد الصلاة فإذ بأغلب المصلين يأتون يعانقونني ويهنئونني بنجاحي في أول تجربة للخطابة، مطالبين بتكرارها

إلا قلة ما زال منهم نفر على قيد الحياة وما زالوا يقعدون على باب المسجد ليغتابوا الناس ويعيبوا على كل خطيب، ويشتكوا من طول الصلاة. ويصلون على الكراسي ثم يخرجون يقفون في طابور الخبز ساعة ويزيد

ثم حُرِمتُ من الخطابةِ في 2018 ولكن لم أُحرَم من الدعوة فإن ركبت سيارة أجرة آخذ بدفة الحوار إلى تفسير آية كريمة أو معنى حديث شريف وإن جلست في عُرسٍ أوصيتُ العريس بما ينبغي، وإن انتظرت دوري في عيادة الطبيب أوصيت المرضى بالصبر وإن عدت مريضاً ذكرته بالله وإن رحتُ مُعزياً أوصيت أهله بالصبر والاحتساب

أما أحبابي في كُتَّابي فألقنهم حب الله ورسوله وأعلمهم دون كلل كل أدب وأرسم لهم حدود الاستقامة وكيف يشبون في طاعة الله

ليست الدعوة وقفاً على المنابر ولا حكراً على الخطباء

{والعَصرِ ¢ إن الإنسَانَ لفي خُسر¢ إلا الذينَ آمنُوا وعمِلوا الصالحَاتِ وتواصَواْ بالحَقِّ وتواصَواْ بالصَّبرِ}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights