من خلال متابعة كثير مما كتب خلال الأيام القليلة المنصرمة يمكن القول إن بواعث القلق الرئيسية بخصوص التطورات غير المسبوقة في سوريا تتلخص في نقاط ثلاث:
– الخوف من تفكك سوريا وتقسيمها
– الخوف من ديكتاتورية جديدة تتدثر بعباءة الدين
– الخوف من سقوط الأجزاء الجنوبية من البلاد حتى دمشق في قبضة نتنياهو وتكريس واقع جديد تقضم فيه إسرائيل من الجسد السوري أضعاف مساحة الجولان المحتل
لن أناقش تفاصيل هذه المخاوف – وكلها مشروعة وواردة جدا – بقدر ما ألفت النظر إلى نقطتين غاية في الأهمية، إحداهما أشبعت جدلا والأخرى لم تستوف حقها من النقاش:
– بشار الأسد لم يكن يحكم دولة مستقلة كاملة السيادة يستثير سقوطها بكائيات أندلسية مريرة (يحضرني تصريح ممثل تافه ضخم الجثة ضئيل الدماغ: سوريا ذهبت للأبد ولن أعود إليها ما حييت!! شكرا روح لأمك!). ولعل الأمر الوحيد الذي لم يستنفر حماسة نتنياهو للتوغل داخل الأراضي السورية واقتطاع المزيد منها على مدى سني العقد الماضي هو يقينه بأنه يستطيع ذلك متى شاء وأنه كلما طال وجود الأسد في السلطة كلما تهيأت الظروف أكثر لنضوج تلك الغنيمة. والحكمة تقول إذا رأيت عدوك يدمر نفسه فلا تقاطعه!
– النقطة الأهم باختصار شديد، ومع توالي أخبار الفظائع الموثقة بالصوت والصورة لسلخانات صدنايا وغيرها من الأقبية الأمنية، هي سؤال بسيط لا يفهمه الدولجية وعباد الأنظمة: أي قيمة للأوطان وتماسكها وأمجادها إذا عاش فيها المواطن ذليلا خائفا مطاردا؟ الوطن ليس التراب ولا الحدود ولا المؤسسات (جيش وشرطة وقضاء وطبعا أحمد موسى وبكري ولميس!). ما الوطن إلا أنا وأنتم وهؤلاء وأولئك. فأي خير يمكن أن يصيبه الوطن إذا لم نحي مرفوعي الهامة موفوري الكرامة؟!
وقد صدق وأبدع أحمد مطر أمير شعراء عصرنا المنكوب بداء الاستبداد حين قال قبل عقود:
ستعود أوطاني إلى أوطانها/
إن عاد إنسانا بها الإنسان/