تقاريرسلايدر

محور صلاح الدين “فيلادلفيا”.. قنبلة صوت لقائد مفزوع

الأمة ووكالات| فزع يسيطر على رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إزاء القتال الشرس وغير المتوقع لقوى المقاومة في قطاع غزة المحاصر منذ ما يقرب من عقد ونيف! ومن المآل السيء الذي ينتظر السياسي والعسكري العتيد.

دفع الفزع ثعلب السياسة الصهيونية، نتنياهو، اللجوء إلى زاوية إلهاء جديدة للمجتمع اليهودي الغاضب والساخط على قيادته للكيان في الشهور الماضية، وهي “معبر صلاح الدين” أو ما يطلق عليه أيضًا “محور فيلادلفيا الحدودي”، وهو الذي يربط بين قطاع غزة ومصر.

ويدعي نتنياهو، أنه بدون السيطرة اليهودية عليه، فلن يستطيع القضاء على حركة “حماس”، فيما تؤكد القاهرة أنها “تضبط حدودها وتسيطر عليها بالكامل”.

 

نزوح يتزايد

 

وتزامنًا مع هذه التصريحات يرتفع يوميًا عدد الفلسطينيين النازحين من شمال ووسط القطاع إلى مدينة رفح (أقصى الجنوب) وتحديدا إلى منطقة محور صلاح الدين “فيلادلفيا” بشكل كبير.

 

وتأتي حركة النزوح هذه في ظل تصاعد الهجمات العسكرية الصهيونية على مناطق وسط القطاع ومدينة خان يونس (جنوب)، فيما تشهد الحدود الشرقية لمدينة رفح مواجهات لا زالت محدودة بين الجيش الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية.

غضب مصر

 

بدء الاحتلال عملية عسكرية في محور فيلادلفيا من شأنه أن يثير غضب مصر واستياء واشنطن التي تسعى لتخفيض حدة الحرب.

 

لكن يبدو أن نتنياهو هو المستفيد من العملية نظرا لأن خطوة كهذه تعني توسع الصراع وإطالته، ما سيبقيه على رأس الحكومة لأطول مدة.

 

وكان موقع “أكسيوس” الأمريكي، قد كشف الأحد عن خلافات بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو بشأن ضرورة خفض حدة الحرب على غزة والانتقال إلى مرحلة أكثر تركيزا، وهو ما لا يطبقه نتنياهو حتى اليوم بل يسعى لتوسيع الصراع.

 

تصريحات متتالية

منذ أسابيع خلت، تكرر ذكر محور صلاح الدين أو محور فيلادلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر كثيرًا في وسائل الإعلام، خصوصًا بعدما تحدث رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو، على وجوب السيطرة عليه.

وعلى الرغم من الموقف الرسمي الرافض للخطوة، إلا أن الكيان يسعى للسيطرة على الشريط الحدودي بين جنوبي قطاع غزة ومصر، بعد ما يقرب من عقدين على انسحابها من القطاع، وذلك لمنع حركة حماس من تهريب الأسلحة إلى القطاع، وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

 

فقد تبين أن هذه الخطة ستكون “جزءًا من استراتيجية الاحتلال لهزيمة الفصائل الفلسطينية كما يزعم قادتها، وكذلك لمنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر.

 

كما أضاف مسؤولون صهاينة بحسب الصحيفة، أن العملية ستشمل على الأرجح إبعاد مسؤولين فلسطينيين من معبر رفح، لتتمركز بدلًا منهم قوات يهودية على امتداد الأراضي من الزاوية الجنوبية الشرقية لقطاع غزة، المتاخمة لكل من الكيان ومصر، باتجاه البحر المتوسط، على بعد حوالي 14 كيلومتر إلى الشمال الغربي.

وأضافوا أن إنهاء السيطرة الفلسطينية على معبر رفح الحدودي، يعد جزءًا أساسيًا من رؤية دولة الاحتلال لمستقبل غزة، والتي بموجبها سيحل كيان فلسطيني غير مسلح بسلطات محدودة محل حماس، ويتولى مسؤولية الشؤون المدنية في القطاع، وفق الصحيفة.

 

في حين كشف مسؤول صهيوني كبير دون الكشف عن هويته، أن دولة الاحتلال لا تريد أن تكون مسؤولة عن غزة على المدى الطويل، لكن السؤال هو كيف نتأكد من بقاء غزة منزوعة السلاح؟، مشددًا على أنها معضلة حقيقية.

 

ولهذا رأى أن الطريقة الوحيدة للسيطرة على منطقة جغرافية ما، هي التحكم بما يدخل إليها ويخرج منها، بحسب زعمه.

 

كما تابع أنه في الوقت الحالي وعلى المدى القريب، تحتاج دولة الاحتلال إلى السيطرة على الحدود خلال العقود المقبلة، بسبب القضايا الأمنية.

 

والسبت، تطرق نتنياهو للمرة الرابعة في مؤتمر صحفي، إلى الموضوع ذاته، قائلًا: “من دون السيطرة على محور فيلادلفيا في غزة لا يمكننا أن نقضي على حركة حماس”.

 

الموقف المصري

 

وتعليقاً على تصريحات نتنياهو الأخيرة قال متحدث الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، في تصريحات لفضائية محلية مساء السبت، إن مصر “تضبط حدودها (مع غزة) وتسيطر عليها بشكل كامل”.

 

وأضاف أبو زيد أن هذه “مسائل تخضع لاتفاقيات أمنية وقانونية، وأي حديث بهذا الشأن يخضع للتدقيق ويتم الرد عليه بمواقف معلنة”، دون توضيحات أكثر.

 

وفي اليوم نفسه، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين ومصريين لم تسمهم، أن تل أبيب أبلغت القاهرة عن خطتها لتنفيذ عملية عسكرية للسيطرة على حدود غزة مع مصر، في إشارة إلى المحور.

 

في المقابل، نقلت قناة “القاهرة” الإخبارية المقربة من السلطات المصرية “نفيًا عن مصدر مسؤول (لم تسمه) لما تناولته بعض وسائل الإعلام عن وجود تنسيق مصري صهيوني بشأن تدابير أمنية جديدة عبر محور فيلادلفيا”.

 

وفي وقت سابق، ذكرت القناة “12” العبرية (خاصة)، الثلاثاء الماضي، أن القاهرة رفضت طلبًا من تل أبيب بأن تتولى دولة الاحتلال تأمين منطقة “محور فيلادلفيا”.

 

كما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، “بأن منسق العمليات الحكومية في المناطق الفلسطينية اللواء (الإسرائيلي) غسان عليان زار القاهرة، الثلاثاء، على رأس وفد أمني”.

 

وأوضحت الصحيفة أن هدف الزيارة كان مناقشة الترتيبات الأمنية في منطقة محور فيلادلفيا، وبحث صفقة جديدة محتملة لتبادل أسرى بين الكيان وحركة “حماس”، من دون تفاصيل.

 

فيما قالت القناة “13” (خاصة): “عاد مسؤول كبير في الجيش الصهيوني إلى البلاد مساء الثلاثاء بعد زيارة لمصر، ناقش خلالها توسيع المساعدات الإنسانية لغزة، بطلب من الولايات المتحدة، والوضع في محور فيلادلفيا بعد انتهاء الحرب، والاتصالات المتوقفة بشأن صفقة تبادل للأسرى”، دون تفاصيل أكثر

 

الوضع الميداني

 

وبالتزامن مع هذه التصريحات ارتفعت أعداد النازحين في رفح بشكل كبير ليصل عدد سكان المدينة 1.3 مليون نسمة من أصل 300 ألف نسمة عدد سكانها قبل الحرب، وفق تصريحات سابقة لرئيس بلدية رفح أحمد الصوفي، للأناضول.

 

ودفع الازدحام الشديد في رفح مئات آلاف النازحين إلى بناء خيام قرب الحدود المصرية أي في محور فيلادلفيا، خاصة بالمناطق الواقعة غرب معبر رفح حتى شاطئ البحر.

 

وعلى الصعيد العسكري، فإن قوات برية صهيونية كانت قد تقدمت نهاية ديسمبر بشكل محدود في المنطقة الشرقية لمدينة رفح على مقربة من خط الحدود بين القطاع ومصر.

 

وخلال الأسبوعين الماضيين، اندلعت اشتباكات متفرقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية المتوغلة شرق رفح، وفق مصادر محلية وشهود عيان.

 

وذكرت المصادر أن الاشتباكات تقع عادة قرب معبر “كرم أبو سالم” وشرق معبر رفح، وتستخدم خلالها القوات الصهيونية قذائف المدفعية بشكل كثيف.

 

كما نفذت الطائرات الحربية والآليات المدفعية الصهيونية قصفاً عدة مرات للشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر.

 

وتبقى وتيرة الاشتباكات بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال المتوغلة شرق رفح منخفضة نسبيًا مقارنة مع ما يحدث بمدينة خان يونس المجاورة.

أمين سر منظمة التحرير

 

أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، قال في تغريدة عبر منصة “إكس”، إن تصريحات نتنياهو “دليل واضح على قرار عودة الاحتلال بالكامل وتدمير للاتفاقيات مع مصر، وكما قلنا سابقا إنهاء كل الاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية”.

 

وأضاف الشيخ في 30 ديسمبر: “هذا يستوجب قرارا فلسطينيا عربيا موحدا لمواجهة تداعيات هذه الحرب العدوانية ومحاولات نتنياهو فرض وقائع جديدة جراء هذه الحرب”.

ما هو محور فيلادلفيا؟

 

يسمى أيضاً “محور صلاح الدين” ويقع على امتداد الحدود بين غزة ومصر، وهو ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، ويمتد بطول 14.5 كيلومترا من البحر المتوسط حتى معبر “كرم أبو سالم”.

 

ووفقًا لاتفاقية “كامب ديفيد” فإن المنطقة الحدودية (محور فيلادلفيا) تقع ضمن الأراضي الفلسطينية وأطلق عليها تصنيف الحرف “دال”، وتخضع لسيطرة القوات اليهودية التي حددت بحسب الاتفاقية بكتائب مشاة، تصل إلى 180 مركبة مدرعة من الأنواع كافة، وطاقم مكون من 4 آلاف عنصر، إضافة إلى منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية.

 

ومنعت الاتفاقية وجود أي قوات مسلحة على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي أطلق عليها تصنيف الحرف (جيم)، وسمحت فقط لشرطة مدنية مصرية بأداء مهامها الاعتيادية بأسلحة خفيفة.

 

وظلت القوات الصهيونية مسيطرة على “محور فيلادلفيا” إلى حين انسحاب الاحتلال من قطاع غزة منتصف أغسطس 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.

 

ونصت خطة “فك الارتباط” (الانسحاب الصهيوني من غزة) على احتفاظ الاحتلال “بوجود عسكري له على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا)” في المرحلة الأولى.

 

وذلك لتوفير الحماية الأمنية التي قد تتطلب توسيع المنطقة التي تتم فيها النشاطات العسكرية، وجعلت الاتفاقية إخلاء المنطقة مشروطا بالواقع الأمني والتعاون المصري في التوصل إلى اتفاق موثوق.

 

وفي سبتمبر 2005، تم توقيع “اتفاق فيلادلفيا” بين الكيان ومصر الذي يعتبره الاحتلال ملحقًا أمنيًا لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها.

 

ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدر بنحو 750 جنديا من حرس الحدود، ومهمتهم تتمحور فقط في مكافحة “الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق”.

 

وبموجب هذا الاتفاق انسحبت اليهود من محور فيلادلفيا وسلموه مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية.

 

وعام 2007، سيطرت حركة “حماس” على قطاع غزة، وخضع محور فيلادلفيا لهيمنتها، وفرضت دولة الاحتلال حصارًا خانقًا على القطاع، الأمر الذي دفع الفلسطينيين لعبور الشريط الحدودي باتجاه مصر للتزود بالطعام والشراب والمواد الأساسية لحياتهم، وعلى إثر ذلك فرضت القوات المصرية الأمن بفيلادلفيا ثم تراجعت لأماكنها.

 

ومع إحكام الحصار لسنوات على القطاع، حفر الفلسطينيون في غزة مئات الأنفاق أسفل محور فيلادلفيا وصولًا إلى مصر، لتشكل طريقًا رئيسيًا لاستيراد احتياجاتهم الأساسية، قبل أن تنتهي هذه الظاهرة عام 2014 وليتبعها بعد سنوات قليلة دخول البضائع من مصر إلى غزة عبر معبر رفح بشكل رسمي.

 

ولم تعد منطقة محور فيلادلفيا خالية من السكان الفلسطينيين كما كانت خلال فترة الوجود الصهيوني بتلك المنطقة، فالمنازل الفلسطينية امتدت مقتربة بشكل كبير من السياج الحدودي وفي بعض النقاط تكون ملاصقة له تماماً باستثناء المناطق الشرقية لمعبر رفح والمنطقة القريبة من شاطئ البحر.

أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى