كتب: السيد التيجاني
مع دخول الصراع الإيراني-الإسرائيلي مرحلة الغليان، تحوّلت المواجهة إلى مواجهة شبه شاملة، مع إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في تصريح مباشر عبر منصته “Truth Social”، أن “الولايات المتحدة إذا لم تتحرك الآن، ستخسر الشرق الأوسط إلى الأبد”.
وأضاف: “سأتقدم إلى الخطوط الأمامية بنفسي إذا تطلب الأمر ذلك”، في إشارة وُصفت من قبل محللي CNN بأنها “تصعيد سياسي يحاول فرض القيادة بالقوة وسط تردد واشنطن الرسمي”.
ورغم صمت البيت الأبيض، فإن وزارة الدفاع الأميركية اكتفت بتصريح مقتضب عبر المتحدث الرسمي، بأن “أي تحرك عسكري جديد سيخضع لتقدير الموقف الإستراتيجي”.
مما يفتح المجال أمام انقسامات داخلية محتملة، خاصة مع ارتفاع أصوات في الكونغرس تحذر من “تورط الولايات المتحدة في حرب عالمية جديدة”، بحسب شبكة NBC.
في الاتجاه المقابل، بدأت تظهر ملامح محور مضاد بقيادة روسيا والصين، مع دعم من كوريا الشمالية وباكستان. ووفقًا لوكالة “تاس” الروسية، فقد باشرت موسكو في إرسال إمدادات عسكرية دقيقة تشمل قطع غيار لأنظمة الدفاع الجوي S-300، إلى جانب مستشارين تقنيين للمساعدة في إعادة تهيئة منظومات تعرضت للقصف في أصفهان وبوشهر.
صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية أكدت بدورها أن الصين تنظر إلى الصراع بوصفه “اختبارًا للتوازن الدولي”، واعتبرت في افتتاحيتها أن “أي هزيمة لإيران تمثل نصرًا استراتيجيًا للغرب”. كما كشفت تقارير خاصة عن إرسال أجهزة تشويش عسكرية متقدمة، ورادارات أرض-جو عبر ميناء غوادر في باكستان.
أما كوريا الشمالية، فقد دخلت على خط المواجهة بشكل غير مباشر. وذكرت وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية أن طائرات شحن عسكرية انطلقت من بيونغ يانغ نحو طهران، مرورًا بالأجواء الصينية، محمّلة بطائرات مسيرة هجومية من طراز “كاي-جاي 7″، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ حرب اليمن.
فيما نقل موقع “The Nation” الباكستاني معلومات عن ترتيبات سرية بين أجهزة أمنية باكستانية والجيش الصيني، لضمان مرور آمن للشحنات العسكرية باتجاه إيران، وهو ما رآه بعض المحللين في معهد “كارنيغي” محاولة من إسلام آباد للتموضع الجيوسياسي دون التصريح العلني بالانحياز.
الآراء السياسية جاءت متباينة:
قال البروفيسور مايكل روبن، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد “أمريكان إنتربرايز”، إن “ما يفعله ترامب مخاطرة تاريخية، فهو يزج بواشنطن في حرب لا تملك زمامها بعد، فيما المحور الشرقي يستعد منذ سنوات لتلك اللحظة”.
أما المحللة الصينية لي شين، من معهد الدراسات الدولية ببكين، فقالت في حديثها مع وكالة “شينخوا”: “إيران ليست وحدها، وما نراه الآن ليس دفاعًا عن طهران، بل دفاع عن توازن العالم في وجه الأحادية الأميركية”.
ومن موسكو، نقلت صحيفة “إزفيستيا” عن الجنرال المتقاعد أندريه كورتشينكو قوله: “دخول ترامب الحرب قد يعيد للأذهان سيناريو حرب فيتنام، لكن هذه المرة الشرق سيملك السلاح والدعم الكامل”.
في المقابل، علّق السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب، دان شابيرو، عبر شبكة PBS، قائلاً: “دخول ترامب يخلط الأوراق داخليًا قبل الانتخابات، لكنه لا يعكس توافقًا أميركيًا، بل مغامرة شخصية غير محسوبة”.
بهذا المشهد المشتعل، لا يبدو أن الحرب ستبقى محدودة أو محلية، بل تتحول إلى ساحة اختبار للنظام الدولي بأسره. الاصطفافات الجارية لم تعد رمزية، بل عملية وعسكرية. والشرق الأوسط اليوم، لا يُحكم من عواصمه فقط، بل من قرارات في بكين، موسكو، واشنطن، وإسلام آباد.