مقالات

مختار محمود يكتب: القرآن الكريم.. والرئيس!

لا شيء في مصر يحدث سوى بتوجيهات الرئيس. يبقى كل شيء على حاله حتى يتكلم الرئيس. أصحاب المعالي والمقام الرفيع مُرابطون في مكاتبهم حتى يأتيهم التوجيه الرئاسي.

ضجَّ الناس من التردي الإعلامي والدرامي عامًا وراء عام، وتحدثت النُّخَب، كما تحدث العوام دون جدوى، بل كانت هناك منابر تبرر الرداءة وتُنافح عن القبح!

وما إن أشار الرئيس مجرد إشارة خاطفة إلى سوء ما تقدمه الدراما وما يطرحه الإعلام، انتفضت الحكومة والمؤسسات والهيئات التابعة لها والأحزاب السياسية عن بُكرة أبيها، وتذكرت أنه حان وقت الإصلاح.. يا للهول!!

لا يخلو بيان أو تصريح حكومي أو وزاري من عبارة: “بناء على توجيهات الرئيس”. ارتضى القوم أن يكونوا مسؤولين تنفيذيين “سكرتارية”، لا يلوون على شيء؛ إيثارًا للسلامة، وضمانًا للبقاء في مناصبهم أطول فترة ممكنة!

وإذا كان الأمر كذلك.. فهل نتعشَّم في أن يُلقي الرئيس نظرة عابرة على ملف القرآن الكريم، بعدما طاله العوار، واستوطنه الصغار، وتحكَّم فيه الأراذل، حتى أصبحت دولة التلاوة المصرية التي كانت ملء السمع والبصر أيامًا ولياليَ وسنين، أثرًا بعد عين، ووجب نعيُها واستقبال العزاء فيها وقراءة الفاتحة على روحها الطاهرة؟

لو فعلها الرئيس، وتحدث مرة واحدة عن سوء أداء القراء الإذاعيين المعاصرين، ووجَّه بعدم اعتماد قارئ إذاعي غير مُستحق، وإعادة اختبار القراء الذين تسللوا إلى ماسبيرو عبر الأنفاق السفلية والأبواب الخلفية أو هبطوا عليه بالبراشوت، وتنقية جداول النقابة المختصة، فإن أمورًا كثيرة سوف تتغير حتمًا إلى الأفضل، وفي أسرع وقت، بل في لمح البصر.

لو فعلها الرئيس.. فإنَّ كلامه سوف يُحدث حراكًا في تلك الكيانات المؤتمنة على القرآن الكريم. هذه الكيانات تخلت عن مسؤوليتها نحو كتاب الله، وغطَّت في سُبات أعمق من بئر يوسف، وقصَّرت أيَّما تقصير، ورفعت شعار: “ليس في الإمكان أفضل مما كان”، وتفرغ كبراؤها للتلاسُن والسجال عبر منصات الفضاء الإلكتروني و”الحشد” ضد مَن ينتقدون أداءهم المتواضع.. ثم يدعون بعد ذلك أنهم “أهل القرآن وخاصتُه”!

لو فعلها الرئيس.. فسوف تتسابق الجهات المختلفة للتأكيد على كلامه، وسوف تنقلب على مواقفها السابقة، وسوف تتحرك جديًا نحو الإصلاح، كما حدث عقب انتقاده للدراما والإعلام، وربما اعتزل الدخلاء على فن التلاوة كما اعتزل المخرج الذي وضع الدراما في الحضيض.

 ملف القرآن الكريم بصورته التي وصل إليها يحتاج توجيهًا رئاسيًا جادًا وحاسمًا يُصوِّب المسار، ويُعيد الشيء إلى أصله، ويرد إلى دولة التلاوة المصرية كرامتها المهدورة على أيدي الصغار والأشباح وعفاريت الليل وآخره الذين اعتمروا العمائم وقفزوا على دكة التلاوة، وأعلنوا تأميمها في غفلة من الزمان!

مختار محمود البرعي

كاتب صحفي وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights